الوداعة صفة نبيلة هادئة. والإنسان الوديع هو شخص محبوب من الكل. فما هي صفات الإنسان الوديع؟
"1" الإنسان الوديع طيب وهاديء ومسالم:
إنه هاديء في صوته. لا يصيح ولا يُحدث شغباً. وهاديء أيضاً في معاملاته. لا يخاصم ولا يقطع صلته بإنسان. ولا يحتد علي أحد.
لا يقطع رجاء إنسان: فلا يطفيء فتيلة مدخنة. ربما تمر عليها ريح بعد حين. فتشعلها. هكذا يتصرف مع صغار النفوس.
والإنسان الوديع له صوت منخفض خفيف. فهو لا يرفع صوته أزيد مما يجب. ولا يعلو صوته أكثر مما تستلزم الحاجة في الكلام. صوته هاديء غير صاخب. بعكس العنفاء الذين في كلامهم صخب. يتكلمون بصوت عال وبحدّة وعنف. أحياناً صوتهم يرعب!
ہہہ
"2" والوديع كما أن صوته منخفض. كذلك نظراته منخفضة أيضاً
لا يحدّق في أحد. ولا يحملق في أحد. تنطبق عليه عبارة "لا يملأ عينيه من وجه إنسان". لذلك فهو يحتفظ بعلاقات طيبة مع الكل. لأنه لا يفحص مشاعر الناس بنظراته. ولا يحاول أن يعرف بذلك ما بداخلهم. لأن معرفة الدواخل تعكر المعاملات.
أما غير الوديع فإنه يكلم غيره. وينظر إلي عينيه أثناء كلامه. ليري هل هو صادق أم لا؟ وهل نظراته عكس كلامه؟ وهل ملامحه عكس كلامه؟ وهل هو يبطن غير ما يظهر؟ وهل.. وهل؟ مما يوجب الشك فيه!!
ہہہ
أما الوديع فيعيش في سلام مع الناس. لأنه لا يفحص ملامحهم وتصرفاتهم
إن تعامل مع أحد. لا يتناول هذا الشخص وأعماله بالفحص والتدقيق ليصدر أحكاماً عليه. وإن جلس مع أناس يأكلون. لا ينظر إليهم ماذا يأكلون وكيف؟ وأي صنف يأكلونه؟ وما الذي يحبونه أكثر من غيره؟ وهل يأكلون بسرعة أو بشهوة أو بنهم. إنه لا يراقبهم أثناء أكلهم. كما لو كان يحصي كم لقمة يأكلونها!!
ہہہ
إنه هاديء لا يفحص أعمال الناس. ولذلك فهو لا يقع في إدانة الآخرين ومسك سيرتهم. بل يقول في داخله ما شأني بهذا؟!
فإدانة الآخرين تأتي غالباً من فحص تصرفاتهم ومراقبتهم. أما الوديع فيقول في نفسه "أنا مالي؟ خلْيني في حالي". نعم ما شأني بكل هؤلاء؟ ومن أقامني قاضياً عليهم؟! لماذا أتدخل في أمور لست أنا مسئولاً عنها؟ ولماذا أقحم نفسي فيما لا شأن لي به؟!
وهكذا يحتفظ بسلامه الداخلي وسلامه مع الناس.
ہہہ
والإنسان الوديع يكون دائماً بشوشاً. لا يعبس في وجه أحد
لا يقطب جبينه ولا نظراته. ولا يتجهم. ولا يستقر عليه أبداً روح الغضب أو الضيق. له ابتسامة حلوة محببة إلي الناس. وملامح مريحة لكل من يتأملها. ولا تسمح له طبيعته الهادئة أن يزجر وأن يوبخ. وأن يشتد ويحتد. بل هو بطبيعته إنسان هاديء. وكلامه لطيف وليّن. وبخاصة إن كان من العاملين في الخدمة الاجتماعية.. له الوجه السمح والمحبوب الذي يفيض سلاماً علي غيره.
ہہہ
ومادام الوديع يتمتع بسلام داخلي. فهو لا ينزعج ولا يضطرب. مهما كانت الأسباب الخارجية..
قد يكون البحر هائجاً والأمواج مرتفعة. والسفينة تضطرب في البحر وتميل يميناً ويساراً. أما الصخرة الثابتة في البحر فإنها لا تضطرب. والجنادل التي في البحر لا تهتز. مهما كان عنف الأمواج.
كذلك الوديع: هو كالصخرة أو الجندل. لا يتزعزع مهما كانت الظروف. بل في هدوء يسلّم الأمر لله. ويقول مع المرتل في المزمور: "إن يحاربني جيش فلن يخاف قلبي. وإن قام عليّ قتال. ففي هذا أنا مطمئن". قال أحد الآباء الروحيين: من السهل عليك أن تحرك جبلاً من موضعه. وليس سهلاً أن تحرك الإنسان الوديع عن هدوئه.
ہہہ
ومهما عومل الوديع. فإنه لا يتذمر ولا يتضجر. ولا يشكو..
بل غالباً ما يلتمس العذر لغيره. ويبرر في ذهنه مسلكه. ولا يظن فيه سوءاً. وكأن شيئاً لم يحدث! ولا يتحدث عن إساءة الناس إليه. ولا يحزن بسبب ذلك في قلبه. فإن تأثر بسبب ذلك أو غضب. سرعان ما يزول تأثره ويصفو. ولا يمكن أن يتحول حزنه المؤقت إلي حقد.
وقد يثور البعض عليه. ويوجه إليه اتهامات أو إهانات. فلا يحتد ولا ينتقم لنفسه. ولا يقاوم الشر.. بل قد يصمت في هدوء. ويبتسم في وجه من يثور عليه ابتسامة بريئة. وكأنه ليس المعنيّ بما يقال. وابتسامته تجعل الثائر عليه يخجل من إهانته له.
هذا الإنسان الوديع. له أحياناً طبع الطفل الهاديء المبتسم.