موضوع: كمالة قداسة البابا كيرلس الرابع البابا المائة وعشر أبو الإصلاح * الجمعة سبتمبر 19, 2014 1:01 pm
رهبنته:
في عام 1553ش إذ بلغ حوالي الثانية والعشرين ذهب إلي دير القديس أنبا أنطونيوس ولبس ثياب الرهبنة علي يد رئيسه القمص أثناسيوس القلوصني. فوثق به وكان متى اضطر إلي مغادرة الدير يترك تدبير أمور الرهبان في يده إذ شاهد فيه الأهلية والاقتدار والغيرة الحقيقية علي مصلحة الدير والرهبان، وإن كان هذا قد أثار نوعًا من التذمر.
اهتم في الدير بالاعتكاف علي الدراسة وكان يحث الرهبان علي ذلك بروح التواضع.
سمع عنه البابا بطرس الجاولى فاستدعاه وباركه كما باركه الأنبا صرابامون الشهير بأبي طرحة وتنبأ له بمستقبل باهر في خدمة الشعب. وربما منذ ذلك الحين اتجهت الأنظار إليه عند خلو الكرسي المرقسي.
رئيس دير القديس أنبا أنطونيوس:
في عام 1556ش حيث بلغ الرابعة والعشرين تنيّح رئيس الدير وأجمع الرهبان علي اختياره رئيسًا، فحقق لهم البابا بطرس الجاولي طلبتهم ورسمه طرس قسًا باسم داود.
في أثناء خدمته في الدير تحوّل الدير إلى مجتمعٍ متكاملٍ عاملٍ عامرٍ حتى لم يجد الرهبان سببًا لمغادرته. ووجه أولًا عنايته إلى التعليم، ففتح كتابًا في بوش ومكتبة في عزبة الدير جمع فيها كل ما امتدت إليه يداه من كتب ومخطوطات، وشجع الرهبان على القراءة وطلب العلم.
بذل كل الجهد لكي لا يترك الرهبان الدير إلا عند الضرورة مع العودة السريعة. لقد آمن بهذا الفكر لذا عندما صار بطريركًا أصدر قرار بمنع الرهبان من الخروج من الأديرة إلا بأذن منه التزامًا بما تعهدوا به أمام الله والناس. ومن أقواله في هذا ما معناه: "من يختار ثوب الرهبنة مات عن الدنيا ودفن نفسه بمحض إرادته، بدليل أنهم يصلّون عليه صلاة الموتى؛ فهل يخرج ميت من قبره؟ الرئيس الذي يأذن للراهب في الخروج من ديره يكون قد أخرج ميتًا من قبره وعليه وزره".
اهتم بالتعليم بإنشاء مكتبة بعزبة الدير لخدمة جميع المتردّدين عليها من الإكليروس والرهبان والشعب. كما أسس في بوش مدرسة لتعليم شبان الأقباط اللغتين العربية والقبطية، وكان يشرف عليها بنفسه، ويقدم مكافآت للمجتهدين فيها، وكان يضرم مداليات ذهبية وفضية يوزعها عليهم.
لم يخجل من الحضور مع الشبان في المدرسة ليتعلم معهم.
من نوادره إنه اعتاد التفتيش ومباشرة شئون الزراعة وذلك في وقت هياج العربان وبطش سعيد باشا بهم عام 1272ه، وفي الطريق صادفه إعرابي وكان القس داود رئيس الدير راكبًا دابته ومرتديًا لباسًا بسيطًا جدًا. قال له الأعرابي: "أنزل يا نصراني". أجابه الرئيس: "ليس لك مطمع في لباسي لأنه لا يساوي فلسًا"، واستعطفه أن يتركه لكن الإعرابي ازداد خشونة وغطرسة وقال له: "أتبقى راكبًا وأنا ماشٍ؟" أجابه: "دعني وشأني". فما كان من الأعرابي إلا أن لطمه علي وجهه وهو يقول "أنزل يا نصراني يا ملعون". ملك القس داود نفسه ولم ينزل عن الدابة وإذ حاول الإعرابي إنزاله بالقوة لم يستطع، بل في محاولته زلقت رجله في بركة ملآنة طينًا، وكان الممر ضيقًا فتركه القس داود وهو ملهي في غسل ثيابه. جاء الأعرابي إلي العزبة يطلب مقابلة الرئيس ليشتكي له الراهب الذي غرسه في الطين بلا سبب. فسأله: "أحقا ما تقول؟" أجابه "نعم"، قال له أنظر إليَّ! أنا هو من تشتكيه، وأنت الذي لطمتني، ومع هذا فإني أسامحك وأعطيك نصف أردب قمحًا وشعيرًا، فخجل الأعرابي منه جدًا.
سفره إلي أثيوبيا:
حدث خلاف ديني بين مطران أثيوبيا القبطي وبين الكهنة الأثيوبيين إذ حاولت بعض الإرساليات زعزعة عقيدتهم الأرثوذكسية، وقد تقربت مقابل السماح لهم بالعمل في كل البلاد وسحب الكهنة من ارتباطهم بالكنيسة القبطية.
حاول البابا بطرس الجاولي أن يذهب بنفسه لكنه لم يستطيع فأرسل القس داود الذي كاد أن يحل المشكلة لولا تدخل بعض رجال الدول الأوربية خاصة قنصل إنجلترا لصالح الإرساليات.
إذ طال بقاؤه طلب من البابا العودة فلم يسمح له النجاشي بمغادرة أثيوبيا، وأخيرًا أذن له بذلك بعد أن قضى سنة وبضعة أشهر. عاد إلي القاهرة بعد نياحه البابا بطرس بشهرين ونصف في عام 1852 م.
هكذا كان القمص داود مكلفًا من قِبَل البابا الجاولي لإصلاح الخلاف الذي اصطنعه الإنجليز بين مصر والحبشة. وكأن الله يُعده لكي يتبوأ رئاسة الكنيسة باشراكه في أمور الدولة وعلاقاتها الخارجية منذ أن كان راهبًا.
كمالة قداسة البابا كيرلس الرابع البابا المائة وعشر أبو الإصلاح *