وتشبه مشكلة المتفوقين. مشكلة الذين يحظون بمديح الناس وتقديرهم. ممن يريدون احتكار المديح لأنفسهم وحدهم!
لا يكتفي المحب لذاته بأن يحب مديح الناس واهتمامهم به. بل أخطر من هذا. أنه يريد أن يكون الوحيد الذي هو موضع الاهتمام والاحترام والمديح. وبالتالي يقوده هذا الشعور إلي معاداة كل شخص في مجاله يتمتع بتقدير الآخرين.
ومن هنا تأتي الصراعات بين أصحاب المهنة الواحدة. أو الذين يعملون في نشاط واحد. أو يتنافسون علي رئاسة.
بمحبة الذات ينظر كل منهم إلي الآخر بعين نقادة. يبحث له عن عيوب تنقص من قدره ومن قدراته لكي ينشرها.
***
الذي يقع في محبة الذات. لا يمكن أن يأتي بالعيب علي نفسه. وإنما باستمرار يلقي بمسئولية أخطائه علي غيره.
إذا دخل إلي امتحان ورسب فيه: فإما أن الأستاذ الذي وضع الأسئلة كان قاسياً في أسئلته. وإما أن المصحح لم يكن رحيماً في تصحيحه! وإما أن الله لم يسنده في الامتحان. علي الرغم من كل الصلوات التي رُفعت إليه!
ولذلك فإنه يري نفسه مظلوماً باستمرار. فهو إما أن يصل إلي غرضه. أم أنه دائماً يسخط ويتذمر ويشكو.
يشكو والديه. ويشكو المجتمع. ويشكو الزمان الذي يعيش فيه. ويشكو معاملات الآخرين. ويشكو أسباباً عديدة لعدم وصوله إلي غرضه. وينتقد كل الذين وصلوا وأساليبهم التي ارتفع عن مستواها! أما ذاته. فهي الوحيدة التي لا يشكوها. والوحيدة التي بلا عيب!
***
من أجل هذا. فهو لا يجاهد ليصلح أي عيب فيه. لأن ذاته تبدو أمامه بلا عيب!!
وهكذا إذ تستمر متاعبه. ويستمر عدم اصلاحه لنفسه. فإنه بالتالي يستمر في شكاواه التي لا تنتهي.. إن كان رئيساً لعمل. يشكو من أخطاء مرؤوسيه. وإن كان مرؤوساً يشكو رؤساءه وزملاءه. وإن كان ولا واحد من هؤلاء قد أخطأ. حينئذ يشكو من الأنظمة واللوائح والقوانين! المهم أنه يدافع عن نفسه إن وقع في خطأ. ويحاول أن يغطيه. إما بالكذب. أو بتبريرات عديدة. أو بإلقاء التبعة علي غيره أو يقول إنه ما كان يقصد! وبدلاً من أن يصلح ذاته. فإنه يغطيها!
***
والذي يحب ذاته. يكون حساساً جداً نحو كرامته. ويعامل نفسه والناس بميزانين مختلفين!
يدقق جداً في تحليل وتضخيم أية ملاحظة توجه اليه بينما لا يبالي بما يقوله هو للناس. ويجب أن يتعامل بأسلوب لا يعامل به غيره! هو حساس نحو كرامته. ولكنه ليس حساساً نحو كرامة الناس في معاملته هو لهم. فمتي وكيف ينكر الإنسان ذاته ويدينها؟
***
مغبوط هو الإنسان الذي يراقب ذاته. ويمنعها كلما تشرد. وكلما تقويها شهوة خاطئة أو خطيئة معينة..
حقا إن ضبط النفس هو من الفضائل الأساسية في حياتنا... فإن وجدت نفسك تميل إلي حب الظهور. وإلي الإعلان عن ذاتها. والسعي وراء العظمة والسيطرة. فواجبك أن تمنعها...
وثق أن الذي يدلل نفسه. إنما هو يهلكها ويضيّع نصيبها في الأبدية السعيدة. كما أن الذي يتراخي في ضبط ذاته. يمكن أن تقوي عليه ذاته. وتتمرد علي سلوكه الروحي. بعكس الذي يدرب ذاته ويروّضها في دروب الفضيلة.
وثق أن قهر الذات. وضبط النفس. تكمن وراءهما لذة روحية لا تعادلها أبدا كل ملاذ الجسد...