عفَّة القلم: عفَّة القلم ترتبط أيضاً بعفَّة اللسان. ونعني بها القلم الذي يراعي كل ما قلناه فيما يُكتب. فلا يشهر بأحد، ولا يجرح أحداً، ولا يعمد إلى الإهانة. ولا يشيع عن إنسان ما ليس فيه. بل يحرص على أعراض الناس. ويرى أن سمعتهم أمانة أمام قلمه لا يمكن أن يتجاوزها. وفيما يكتب، يكتب بموضوعية نزيهة.
وهنا نرى عفَّة النقد ونزاهته: نعني النقد العادل البريء الموضوعي، الذي يهدف إلى الحق. ويزن الأمور بميزان سليم. ويذكر النقط البيضاء أولاً، قبل غيرها من النقاط التي لا يوافق عليها. وهكذا يعطي كل ذي حق حقَّه. وفي نقده لا يدخل في نوايا الناس وفي دواخلهم، هذه التي لا يعرفها إلاَّ اللَّه وحده.
?? عفَّة القلب وعفَّة الفكر: عفَّة القلب هى عفَّة المشاعر والعواطف والأحاسيس، وأيضاً عفَّة المقاصد والنيَّات والرغبات. ومن عفَّة القلب تصدر أيضاً عفَّة الفكر، وتصدر أيضاً عفَّة الحواس. وكلها خارجة من مصدر واحد. وأيضاً عفَّة اللسان صادرة عن القلب. فاللسان غير العفيف مصدره قلب غير عفيف. ومن فيض القلب يتكلَّم اللسان. والذي يتكلَّم كلاماً شريراً، يدل على أن الشر موجود في قلبه. والذي في القلب، يعبر عنه الفكر، ويعبر عنه اللسان، وتُعبِّر عنه الحواس أيضاً. وإن لم يضبط العقل والفكر حينئذ قد يتدرَّج الأمر إلى الإرادة، ثم إلى العمل.
?? وعفَّة القلب والفكر ترتبط أيضاً بعفَّة العقل الباطن. والعقل الباطن يعمل عن طريق المخزون فيه من أفكار ومن رغبات وصور ومشاعر. فإن كان المخزون في العقل الباطن غير عفيف، حينئذ يصدر ذلك في أحلام غير عفيفة، وفي ظنون وأفكار من نفس النوع. كما هو معروف أن كل شجر ينتج ثمراً كجنسه.
فليحرص إذن كل إنسان على عفَّة قلبه وفكره، بما يدخله فيهما من روحيات ومن محبة الخير والعفَّة. وذلك لكي يصيرا مصدراً لكل من عفَّة اللسان وعفَّة الحواس وعفَّة الجسد.
?? عفَّة الأُذُن: الأُذُن العفيفة لا تلتذ إطلاقاً بسماع ما لا يليق، ولا تجد لذَّة في سماع مذمَّة الغير، أو سماع أخبار عن سقوط أو فشل من تعاديهم. فهذا نوع من الشماتة لا يتفق مع عفة القلب ولا مع عفَّة الأُذُن. وقد قال سليمان الحكيم: " لا تفرح بسقطة عدوّك، ولا يبتهج قلبك إذا عثر ".
والأُذُن العفيفة أيضاً هى التي لا تتصنَّت على غيرها، أي لا تتجسَّس لتعرف أسراراً ليس من حقهاً أن تعرفها. الأُذُن العفيفة لا تسرق أخباراً، متدخلة في خصوصيات غيرها بغير حق. والذي يفعل هذا لا يكون مُهذَّباً.
?? عفَّة النَّظر: إنها أيضاً صادرة عن عفَّة القلب، يعني بها النظرات العفيفة غير الشهوانية. والإنسان العفيف ينظر بغير شهوة، بل في إستحياء ... ليس في الأمور الجنسية وحدها، بل أيضاً العفَّة من جهة نظرة الإحترام لِمَن هو أكبر منه. فلا ينظر بغير أدب، بل في توقير. ويحرص عفيف النظر أن يبعد عن النظرات المتجسِّسة الفاحصة بما في ذلك من تفاصيل.
?? يبقى علينا أن نتكلَّم عن عفَّة الجسد. وهذا موضوع طويل أحب أن أؤجِّله إلى مقالٍ آخر.