هذا المزمور من أشهر المزامير التي تكلمت بوضوح عن آلام وصلب السيد المسيح. والسيد استخدم افتتاحية المزمور وهو على الصليب ليشير أنه هو المقصود بكلمات المزمور. وكان اليهود يستعملون أول عبارة في المزمور كاسم للمزمور، وهذا ما نفعله الآن. لذلك فحين قال السيد على الصليب "إلهي إلهي لماذا تركتني" تذكر الواقفون حول الصليب كل كلمات المزمور فرأوا أمامهم صورة ناطقة حيَّة وتحقيقًا لنبوات المزمور. والعهد الجديد اقتبس من هذا المزمور 13 مرة منها 9 مرات في قصة الآلام وحدها. وقد اتخذ منه تلاميذ المسيح مادة للكرازة بصلب المسيح وموته وقيامته.
المزمور يحدثنا عن آلام المسيح ثم قيامته ثم الكرازة بالإنجيل وإيمان الأمم. فالروح القدس الذي عمل في الأنبياء هو الذي شهد على لسان داود بكل عمل المسيح (1بط10:1، 11) فواضح أن داود هنا لا يتكلم عن نفسه. وإن انطبقت بعض الصور على داود فهو كان أبو المسيح بالجسد، وكان رمزًا للمسيح. ولكن في كثير من الآيات نجد أنها لا تنطبق سوى على المسيح فقط. وداود نطق بهذا لأن الروح حمله بعيدًا عن آلامه هو، فنطق بآلام المسيح. هو بدأ يشكو من آلامه ولكننا نجد الروح ينطق على لسانه بآلام المسيح. وداود عبَّر عن هذا حينما قال " لسانى قلم كاتب ماهر " (مز45: 1) فالكاتب الماهر الذي كان يضع الكلمات على لسان داود هو الروح القدس.
عنوان المزمور على أيلة الصبح= في تفسير هذا وضعت عدة احتمالات:
1. أن نغمة المزمور على نفس نغمة لحن مشهور بهذا الاسم.
2. المسيح كان في آلامه يتألم كأيل جريح برئ حتى يأتي عليه وقت الصبح بالفرج، ونلاحظ أن قيامة المسيح كانت في الصبح.
3. التقليد اليهودي يقول أن هذا اللفظ يعني الشكينة أي السحابة المجيدة التي كانت تظهر وسط شعب الله وتعنى النور الذي كان يظهر على تابوت العهد بين الكاروبين ويراه رئيس الكهنة مرة واحدة في السنة حينما يدخل إلى قدس الآقداس يوم الكفارة.
آية (1): "إلهي إلهي لماذا تركتني. بعيدا عن خلاصي عن كلام زفيري."
هنا نرى تكلفة فدائنا، فلقد حُسِبَ ربنا كممثل للبشرية، كأنه متروك من الآب إلى حين، فهو صار لعنة لأجلنا (غل13:3 + 2كو21:5). فهو في خضوع ترك نفسه تحت غضب الآب. حين نسمع "إِلهِي إِلهِي لِمَاذَا تَرَكْتَنِي" نفهم أن المسيح يسأل هذا السؤال لماذا تركتني أيها الآب لهذه الآلام.. لنجيب نحن " لأجل خطايانا.. ولمحبته لنا كان هذا" وإذا فهمنا أن المسيح هو رأس جسد الكنيسة نفهم أن الله ترك العالم لألامه بسبب الخطية فهو القدوس (آية3) . وكأن سبب ترك الإنسان في الألم وسبب ألام المسيح هو قداسة الله التي لا تقبل الخطية، ويجب أن يسدد بالكامل ثمن الخطية. لذلك حمل هو خطايانا. وقوله إلهي إلهي يشير أنه يتكلم نيابة عن البشرية التي يحمل هو العقاب الذي كانت تستحقه. وقوله إلهي هنا يذكرنا بقول المسيح للمجدلية "إلهي وإلهكم" (يو20: 17) وكانت هذه بشارة للتلاميذ ولنا، أن المسيح بجسده صار الله إلهه ليصالحنا مع الآب وليعيدنا نحن إلى حضن الآب. وبهذا نفهم القول بَعِيدًا عَنْ خَلاَصِي، عَنْ كَلاَمِ زَفِيرِي = أن الله كان في حالة خصام مع البشر بسبب الخطية فكان الخلاص بعيدا عنهم، والمسيح هنا على الصليب يصنع المصالحة، ومع كل نفس يتنفسه يطلب خلاص البشر، فهذه كانت شهوة قلب المسيح (إش27: 4 – 5). وكأنه يقول مع كل نفس يتنفسه = (زفيرى) كفى يا الله ولتصالح البشر بدمى الذي سفكته = "يا أبتاه إغفر لهم" وكما قال القديس بولس الرسول "لأنه وإن كنا ونحن أعداء قد صولحنا مع الله بموت ابنه" + "الله الذي صالحنا لنفسه بيسوع المسيح" (رو5: 10 + 2كو5: 18).
وهذا القول يمكن أن يصرخ به داود أو أي إنسان متألم حين يشعر بأن الله قد تخلى عنه. وقد وقف الله بعيداً لا يخلصه من ضيقته = بَعِيدًا عَنْ خَلاَصِي، عَنْ كَلاَمِ زَفِيرِي = فهو لا يكف عن الصراخ لله في كل مرة يتنفس فيها ولكنه لا يرى أن الله يتدخل ليخلصه. فالخلاص دائما يأتي في "ملء الزمان" (غل4: 4) = حينما يرى الله الوقت مناسباً.