يرى العلامة أوريجينوس أن المسيح جاء روحيًا قبل مجيئه جسديًا. جاء في العهد القديم إلى الكاملين الذين صاروا ناضجين وليسوا أطفالًا في عهدة معلمين ومربين، إذ بلغوا إلى ملء زمانهم الروحي (غلا ٤: ٤)، مثل الآباء البطاركة والأنبياء الذين تأملوا مجد المسيح. وكما افتقد المسيح الكاملين قبل رحلته المنظورة حسب الجسد هكذا لا يفتقد الذين بقوا أطفالًا بعد مجيئه ولا يريدون النضوج
* إن فهمنا أن "فيه كانت الحياة" ذاك القائل: "أنا هو الحياة" (يو ١١: ٢٥)، نقول ليس أحد خارج الإيمان بالمسيح هو حي، لكن كل الذين لا يعيشون لله هم أموات. حياتهم هي حياة للخطية وليس للعقل (اللوغوس)، أو أقول إنها حياة الموت
* لنتطلع أولًا إلى العبارة: "إنه ليس إله أموات بل إله أحياء" (مر ١٢: ٢٧)، التي تعادل القول: "ليس إله خطاة بل إله قديسين"... إنه إله الآباء وكل القديسين. لا يجد أحد تسجيلًا في أي موضع أن الله إله أي أحد شرير. لذلك إن كان هو إله القديسين وقد قيل أنه إله الأحياء، فالقديسون هم أحياء، والأحياء هم قديسون. ليس قديس خارجًا عن الأحياء، ولا يُدعى أحد حيًا إن لم يكن له مع حياته حقيقة أنه قديس
* إن كانت الحياة تعادل "نور الناس"، فإنه ليس أحد في الظلمة هو حي، وليس أحد حي هو في الظلمة، بل كل من هو حي هو أيضًا في النور، وكل من في النور هو حي. لهذا فإن من هو حي وحده هو ابن النور، وابن النور هو ذاك الذي تشرق أعماله أمام الناس (مت ٥: ١٦)
* يقول بولس أنه كان قبلًا "ظلمة والآن نور في الرب" (١ كو ٢: ١٤ - ١٥). هكذا يمكن للظلمة أن تتحول إلى نور. إنه ليس من الصعوبة لمن يدرك إمكانية كل إنسان أن يتغير إلى ما هو أسوأ أو ما هو أفضل
* إنه يمكن لمن يملك نور الناس ويشترك في أشعته أن يحقق أعمال النور ويعرف نور المعرفة (هو ١٠: ١٢LXX) لأنه مستنير. لكن يلزمنا أيضًا أن نأخذ بعين الاعتبار الحالة التي للضد، أي أن كل من الأعمال الشريرة والمدعوة معرفة ليست حسب الحق، هذه تملك أسس الظلمة
العلامة أوريجينوس
* هذا النوع من النور لا يخص الحواس بل العقل، ينير النفس ذاتها. وإذ يقول المسيح نفسه فيما بعد: "لا يقدر أحد أن يقبل إليّ إن لم يجتذبه الآب" (يو 5: 44)، فإنه يسبق الرسول في هذا الموضع ويقدم اعتراضًا معلنًا أنه هو (الابن) الذي "ينير" [9]، فإنكم وإن سمعتم قولًا كهذا عن الآب فلا تظنوا أن هذا يخص الآب وحده، وإنمايخص الابن أيضًا. إنه يقول: "كل ما هو للآب فهو لي" (يو 15: 16)
* "والنور يضيء في الظلمة" [5]. يدعو الموت والخطأ ظلمة. فإن النور موضوع الحواس لا يشرق في الظلمة بل خارجًا عنها؛ أما كرازة المسيح فتشرق في وسط الخطأ المسيطر فتبدده. باحتماله الموت غلب الموت، وشفى الذين أُمسكوا فعلًا فيه. هكذا لا يقدر الموت أن يغلبها ولا الخطأ، لأنها بهية في كل موضع، ومشرقة بقوته اللائقة به
القديس يوحنا الذهبي الفم
* نور الأذهان أسمى من الأذهان ويتعدى كل الأذهان. هذه هي الحياة التي بها كان كل شيء
* لا تكونوا أيها البشر في الظلمة، في عدم الإيمان، في الظلم، في الشر، في السلب، في الطمع محبين للعالم، فإن هذه في الظلمة. النور ليس غائبًا، بل أنتم الغائبون عن النور.