مع بداية الصوم المقدس ليس افضل من ان نتحدث عن التوبة الحقيقية و عملها في حياتنا . فكثيرا ما نمارس سر الاعتراف كما تعلمنا من صغرنا و لكننا في مرات كثيرة قد نمارسه بدون وعي روحي. و الانسان الروحي يعرف اهمية الاعتراف الذي تصاحبه التوبة، لانه وحده يتسبب في تغيير الحياة.
وفي الكتاب المقدس هناك امثلة كثيرة لأناس قدموا اعترافا عن اخطائهم لكن لم تملك قلوبهم مشاعر توبة حقيقية لذلك لم يغير هذا الاعتراف من حياتهم، بل ربما صارت إلى اردأ. فهذا قايين يجاوب امام الرب انه اخطا عندما قتل اخاه و يقول: “ذنبي اعظم من ان يحتمل ” (تك4 : 13 ) وكذلك فعل فرعون مصر عندما نزلت بشعبه الضربات واعترف امام موسى وهارون ” اخطأت هذه المرة الرب هو البار وانا وشعبي الاشرار صلياإلى الرب وكفى” (خر9 : 27) وأيضا تكلم عاخان ابن كرمي الذي كان سببا في انهزام الشعب في مدينة عاي لانه اشتهى واخذ الغنائم التي حرمها الله، وعندما انكشفت خطيته اعترف امام يشوع ابن نون وقال ” اخطأت الي الرب اله اسرائيل و صنعت كذا وكذا ” (يش 7 : 20 ) ولكن لانه لم يتب صار سببا في هزيمة كل الشعب لان الرب تخلى عنهم. هكذا ايضا فعل يهوذا الاسخريوطي بعدما سلم الرب يسوع ذهب إلى الهيكل ورد الفضة واعترف ” قد سلمت لكم دما بريئا ” ولكن لان اعترافه لم تصاحبه توبة حقيقية بل ندم نفسي ويأس فقد أنهى حياته وفقد ابديته.. اذن فالاعتراف بدون توبة ليس هو ما يقصده الله.
فالرب دائما ينظر إلى القلب وينتظر من الخاطيء قلبا تائبا قبل ان يقدم اعترافا بالفم او اللسان، ولذلك قبل الرب اعتراف داود النبي والمرأة الخاطئة التي بلت قدميه بدموعها وزكا رئيس العشارين واللص اليمين حتي في اخر لحظات حياته لانها كانت اعترافات تصاحبها مشاعر توبة حقيقية من القلب.. لذلك دعوة التوبة المقدمة لنا في الصوم هي دعوة لتوبة قلبية يعقبها اعتراف حقيقي وشعور بالندم على الخطية ونية خالصة لعدم العودة إليها.
لذلك ان اردت ان تعيش توبة مقدسة خلال ايام الصوم احرص ان تعترف بصورة روحية..
1. اعترف امام نفسك في مخدعك الخاص انك قد اخطأت امام الله و خالفت وصاياه. و اندم ندم حقيقي دون ان تلتمس لنفسك الاعذار او تقارن نفسك بمن هم اضعف منك روحيا، فليس افضل من ان ترجع بالملامة على نفسك في كل شيء كما علمنا الاباء. اجتهد ان تهدأ مع نفسك لتكتشف خطاياك وان لم تستطيع اصرخ امام الرب مصليا ” اختبرني يا رب وافحص قلبي امتحني واعرف افكاري ” (مز ١٣٩: ٢٣) فالصوم فرصة لنخضع انفسنا لنور شمس البر الرب يسوع وحده .
2. عندما تدرك خطيتك انسحق امام الله و اطلب غفرانا من الرب كما فعل داود النبي , و كما صرخ كل رجال العهد القديم بمشاعر توبة حقيقية امام الرب ” اخطأنا و اثمنا ” ( دا ٩: ٥ ), و ايضا كما كان لزاما علي رئيس الكهنة في العهد القديم ان يقر بخطية الشعب كلها امام الرب في يوم الكفارة العظيم.
3. اهتم ان تذهب للكاهن و تقر بخطيتك امام الله في مسامعه لان هذا يسبب انسحاق نفسك فتدرك صعوبة خطيتك ومرارة تبعاتها، فالكتاب يقول “من يكتم خطاياه لا ينجح ومن يقر بها ويتركها يرحم” ( أم٢٨: ١٣) فهكذا “تقدمت الجموع ليوحنا المعمدان مقرين و معترفين بخطاياهم” ( يو 2 ).
4. اخيرا اذهب إلى من اخطأت في حقه واعتذر له ان كنت قد اخطأت له ظاهرا، اما ان لم يعرف بخطيتك تجاهه ” كن تكون قد دنته خفيه”، فيكفي ان تعترف امام الله والاب الكاهن .
في الصوم اعلم ان التوبة هي جهاد مستمر وليس كلمات تتلوها أمام أب اعترافك وينتهي الأمر، بل كن أمينا في جهادك ضد الخطية وتب توبة حقيقية وانتظر نعمة الرب التي لا تتخلى عن التائبين الحقيقيين .