بعد صلب وموت السيد المسيح على جبل الجلجثه ، أختفت أثار الصليب الذى صُلب عليه السيد المسيح ، ولكن لما رأى رؤساء اليهود كثرة العجائب التى تظهر من قبر المخلص من إقامة الموتى وعجائب أخرى كثيرة، غضبوا جداً ونأدوا فى جميع اليهودية و اورشليم ” كل من كنس داره او كان عند تراب فلا يلقيه الا على مقبره يسوع الناصرى “
أستمر الحال على ذلك أكثر من مائتى سنه حتى صار كوماً عظيماً ، و أقام الرومان بالقرب منه معبداً للإله الرومانى فينوس ليمنعوا المسيحيين الاوائل من زيارة المكان وتكريم الصليب المقدس .
وفى مطلع القرن الرابع ظهر الصليب فى السماء لقسطنطين الكبير ( القائد الرومانى ) قبل أخر معاركه محاطاً بهذه الكلمات بأحرف بارزه من النور ” بهذه العلامة تغلب” فوضع علامة الصليب على كل راية وعلم ، وخاض المعركة و أنتصر على عدوه ، فأمن بالمسيح هو وجنوده ، ولما أًبح قسطنطين أمبراطوراً على اوربا أمر بهدم معابد الأصنام وشيَّد مكانها كنائس .
أن الامبراطور قسطنطين هذا هو أبن القديسة هيلانة التى ولدت بمدينة ” الرُها ” من أبوين مسيحيين سنه 247 م ، وربياها تربية مسيحية ، وكانت حسنة الصورة جميلة النفس ، ولما سمع عن سيرتها العطره وجمالها الملك البيزنطى ، فطلبها للزواج حوالى عام 270 م ورزقت فيه ( قسطنطين ) فربته أحسن تربية وعلمته الحكمة والاداب والتى جعل أمه القديسة هيلانة تقوم بتربيته تربية مسيحية وجعلته مهيأ أن يقبل الايمان بالمسيح.
وفى عام 326 م – ارادت الملكة هيلانة أن تعرف مصير الصليب المقدس الذى صُلب عليه المسيح له المجد، حيث رأت فى منامها حلماً ، أبنأها بأنها هى التى ستكشف عن الصليب، وقد شجعها أبنها الأمبراطور قسطنطين – على رحلتها لأورشليم وأرسل معها قوه من الجند قوامها ثلاثة ألاف جندى ليكونوا فى خدمتها وتحت طلبها .
فى أورشليم وفى عام 326 نفسه أجتمعت بالبطريرك مكاريوس البالغ من العمر ثمانين عاماً وأبدت له وللشعب رغبتها ، فأرشدها الى رجل طاعن فى السن ، من أشراف اليهود ويسمى ” يهوذا ” وكان خبيراً بالتاريخ والأحداث والاشخاص ، وبالاماكن – فأستحضرته الملكة وسألته عن صليب المسيح –أنكر ذلك فى بادئ الأمر معرفته به ، وبمكانه .
ولكن قد حدث أنها هدَّدته وتوعَّدته ، أن لم يكاشفها بالحقيقه فأضطر أن يرشدها إلى الموضع الحقيقى للصليب وهو كوم الجلجثه بالقرب من معبد فينوس – وهو بعينه المكان الذى تقوم عليه الأن كنيسة القيامة فى أورشليم .
أمرت الملكة هيلانة فى الحال بازالة التل فأنكشفت المغارة ، وعثروا فيها على ثلاثة صلبان .
لقد كان من الواضح أن الصلبان الثلاثة كانت متشابهه فى الحجم والشكل – كما عثروا معهم اللوحة المكتوب عليها ” يسوع الناصرى ملك اليهود ” ملقاه على الارض ، وأيضاً عثروا على المسامير وباقى أدوات الصلب .
بعد أن عجزت القديسة هيلانة ومن معها على التعرف على صليب السيد المسيح بالتحديد ، ولكن بمشورة البطريرك مكاريوس أستطاعت أن تميز صليب المسيح بعد أن وضعت الصلبان الثلاثه ، الواحد بعد الأخر على جثمان ميت ، فعندما وضع الصليب الاول والثانى لم يحدث شئ ، وعندما وضع الصليب الثالث ، عادت للميت الحياة بأعجوبه باهرة ، وكذلك وضعت خشبة الصليب على أمرأه مريضة فشفيت فى الحال ، عندئذ رفع البطريرك مكاريوس خشبة الصليب ليراها الجميع الحاضرين وهم يرتلون ودموع الفرح تنهمر من عيونهم ، ثم رفعت القديسة هيلانة الصليب المقدس على جبل الجلجثة .
ثم غلفته بالذهب الخالص ولفته بالحرير – ووضعته فى خزانة من الفضة فى اورشليم ، وتشهد بذلك أيضاً أمبروسيوس رئيس أساقفة ميلانو فى سنه القديس يوحنا ذهبى الفم وغيرها، من أباء الكنيسة وبعدها أمر الملك قسطنطين ببناء كنيسة القيامة .
وعند زيارة الكنيسة نجد فى أسفلها كنيسة صغيرة مخصصة للقديسة هيلانة ، يعلو هيكلها تمثال برونزى لها وهى تحمل وتعانق الصليب المقدس .
لقد أمر الملك قسطنطين بتوزيع خشبة الصليب المقدس ، على كافة كنائس العالم أنذاك، وقد أحتفظت كنيسة القسطنطينية بالجزء الباقى ، وقد حصلت كنيسة روما على جزء كبير من الصليب .
لقد توفيت القديسة هيلانة سنه 328 م وكان عمرها وقتها حوالى الثمانين عاماً
وفى سنه 614 م أجتاح كسرى ملك الفرس أورشليم أسر الألوف من المسيحيين ، وفى مقدمتهم البطريرك زكريا ، حيث هدم واشعل النار فى كنيسة القيامة وذلك كان بتحريض من اليهود القاطنين فى أورشليم ،ولكن نجا الصليب المقدس من النار بهمه المؤمن ( يزدين ) – لكنهم أخذوا الصليب كغنيمة ، وبقى عندهم الصليب لمده 14 سنة .
و حينما اصبح ( هرقل ) أمبراطوراً للروم هاجم جيوش الفرس وهزمهم وكان أول شرط للصلح هو أسترجاع خشبه الصليب المقدس ، فتسلمها هيرقل سنه 628 م وأطلق سراح الاسرى والبطريرك زكريا .
فى سنه 629 م أراد الأمبراطور هرقل أن يرد الصليب إلى كنيسه القيامه وأن يحمله هو بنفسه –فجاء به الى اورشليم ليعيد عود الصليب الى موضعه على جبل الجلجثه وهو لابس حلته الملكيه ، وواضع على رأسه تاج الذهب المرصع بالاحجار الكريمه ، ثم حمل الصليب على كتفه وساروا حتى طريق الجلجثه … ولكن حدث شئ غريب جداً ، هو أن الملك فجأه توقف بقوه خفيه ، وما أمكنه أن يخطو خطوه واحده ، حيث ثقل عليه الصليب الى درجه كبيره ، فتقدم البطريرك زكريا وقال للملك . ” أن السيح المسيح مشى هذه الطرق حاملاً صليبه ، مكللاً بالشوك لابساً ثون السخريه والهوان …. وأنت لابس أُثوابك الارجوانياً وعلى رأسك التاج المرصًّع بالجواهر – فعليك ان تشابه المسيح بتواضعه وفقره ” … فأصغى الملك إلى كلام البرطيرك ، وأرتدى ثوباً حقيراً ومشى مكشوف الرأس ، حافى القدمين ، فوصل إلى الجلجثه حيث ركز الصليب فى الموضع الذى كان فيه قبلاً .
ومنذ ذلك الوقت ونحن نحتفل فى الرابع عشر من أيلول بعيد وصول الصليب المقدس على يد القديسه هيلانه واسُترجاع خشبه الصليب المقدس من الفرس على يد الامبراطور هرقل .
بركه صلواته تكون معنا جميعاً أمين