تعاليم السيد المسيح دائما كالمرآة تكشف لنا خفايا دوافعنا وأفكارنا وتقدم التشخيص الإلهي لحالة قلوبنا وأرواحنا. وهذا ما صنعه في مثل الفريسي والعشار فنجد أنفسنا أمام ثلاثة أحزاب دينية الفريسين والصدوقيين والغيورين, ثلاثة اتجاهات مختلفة داخل دين واحد, الفريسيون يؤمنون بحرفية النص حيث يعودون بتعليمهم إلي السلف الصالح, أما الصدوقيون فهم اليهود المتحررون فكريا فلا يؤمنون بالملائكة ولا بحياة بعد الموت وهم يمثلون الاتجاه الليبرالي وكان حنان وقيافا من المنتمين إلي تلك الجماعة, أما الغيوريون فهم الجماعة الدينية السياسية التي تؤمن بتغيير النظام بالقوة فهم يحاربون الرومان ليقيمون دولتهم الدينية وسمعان الغيور كان واحدا منهم, هذه الاتجاهات كانت تشكل المجتمع حين ذاك ومازالت تشكل مجتمعنا الحالي أيضا.
في هذا المثل استخدم الرب يسوع شخصية الفريسي الذي يعمل كل شئ بدقة بحسب الناموس وأيضا شخصية العشار وهو بمثابة جامع الضرائب آنذاك الذي يجمع الضرائب من الشعب لصالح الاحتلال الروماني الذي كان يحدد مبلغا معينا لكل مدينة أو قرية يقوم العشار بجمعه وفي مقابل ذلك يتركوه ليجمع ما يشاء من أفراد الشعب والنتيجة أن هؤلاء العشارين اغتنوا جدا علي حساب الشعب الفقير لذا كان العشارون فئة مكروهة جدا في المجتمع.
في ذلك الوقت, صعدا كلاهما إلي الهيكل ليصليا, كان المتوقع أن يقبل الله صلاة الفريسي علي اعتبار أنه رجل دين! ولكن المفاجأة هي أن الله قد قبل صلاة العشار ليكشف الله عن طريقته الفريدة في النظر إلي البشر فهو لا يلتفت إلي حجم ما نرتكبه من خطايا وشرور ولا إلي كمية الأعمال الصالحة التي نصنعها.
والآن عزيزي القارئ لننظر عن قرب لتلك الطريقة الفريدة فالفريسي بدأ يصلي موجها الحديث لنفسه بقلب متشامخ وروح متكبرة مقارنا نفسه بالآخرين ليحقر منهم ويدينهم حتي يمكنه أن يري نفسه الأفضل فهو ليس مثل الخاطفين الظالمين والزناة, كان كل تركيزه علي أعماله الخارجية الظاهرة للناس من صوم وصلاة وعشور فاعتماده في تبرير نفسه علي ما يقوله الدين من أوامر ونواهي, أما العشار فقد كان توجهه إلي السماء رغما أنه لم يرد أن يرفع عينيه إليها, ولم ينظر إلا إلي نفسه مدركا أنه خاطئ يحتاج رحمة وأنه مذنب يريد غفرانا, لم يقارن نفسه بأحد, فصلي تلك الصلاة التي يحب الله أن نسميها صلاة التوبة والتواضع والصدق والممتزجة بالإيمان الذي يغير القلب, فتلك الصلاة هي التي تضع صاحبها في وضع استقبال الغفران وقبول التبرير وهذا ما شهد عنه يسوع فقال: أول لكم إن هذا نزل إلي بيته مبررا.
عزيزي القارئ: هل ذهبت إلي الله متواضعا تائبا بصدق مؤمنا بغفرانه وتبريره, واثقا في قبوله ومحبته وليس في أعمالك وحسناتك. وأخيرا أوجز الرب يسوع درسه من هذا المثل فقال: لأن كل من يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع.