ونحن في فصل الشتاء كما نقترب كذلك من العيد، أجدها مناسبة لكي نذكر شيئا عن محبة المقتنيات، إنها آفة تصيب الكثيرين عندما يحبون القنية (الاقتناء) وقد لا يستطيع البعض الانتباه إلى ذلك أو معرفة الحد الفاصل بين ما يجب الاحتفاظ به أو الحصول عليه، وما يجب الاستغناء عنه أو الاحجام عن شرائه، فهناك اناس يهوون التحف والأشياء الثمينة والجواهر والثياب المستوردة وتغيير الاساس على فترات متقاربة دون ضرورة.
روي لي أحدهم عن امه البسيطة، والتي كانت تجمع كل ما تجده في طريقها من ورق وحبال وقطع خشب وعلب وزجاجات فارغة، في الوقت الذي كانت تحيا فيه مع ابنها -صاحب الشركة الكبيرة- في شقته التي تشبه القصر الصغير، ولم تستخدم أي من الأشياء التي جمعتها لسنين طويلة!، إنها مجرد الرغبة في الامتلاك والتكديس، وربما كانت تشعر في ذلك بشيء من الرضا أو الأمان !!.
والآباء يرون منهجان في ذلك، الأول: أنه لا مانع من الجمع والاقتناء شريطة عدم التمسك بما نمتلكه، فيقولون أنه لا يضرنا امتلاك الشيء بقدر ما يضرنا التمسك به، والثاني ضبط النفس من البداية تجاه ما نراه أو نسمع عنه فنشتهيه، وفي هذا يقول يقول الأنبا موسى: "محبة المقتنيات تزعج العقل والزهد فيها يمنحه استنارة".
إن الشخص لا يزداد قيمة بما يمتلك وإنما بكيفية النظر إلى حطام هذا العالم، هناك الكثيرين من القديسين والفلاسفة والناس العاديين الذين سلكوا في بساطة، فكان فراشهم بسيط وطعامهم يسير، واستعملوا من الأشياء ما يؤدي الغرض فقط، كما أن أعظم الكتب والمقالات ُكتبت بأقلام رخيصة وعلى ورق بسيط!! وأعظم الأجساد احتوتها ثياب رثة، بينما كان الجسد عفيفا والفكر مستنيرا والقلب نقيا، ولا ننسى أن الكنوز التي دفنت مع أجساد الفراعنة لم تعد إليهم الحياة، كما أن الغنى والمقتنيات وحدها لا تحقق السلام القلبي الذي ينشده الانسان، وتذكر أن الغني والثراء أورث الشاب الغني الهم "مضى حزينا لأنه كان ذا أموال كثيرة" (متى 19: 22).
ونحن نتعجب من الذين يشترون كل ما يجدونه، ولا يراجعون دواليب وصناديق مقتنياتهم، فإننا سنحاسب على كل شيء نشتريه دون حاجة حقيقية له، وكل جنيه ننفقه دون داع حقيقي، لقد قرأنا عن كثيرين من أهل الُملك والسلطة يحيون حياة الفقراء من الناس، مثل ملك أنطاكية الذي تعرف عليه القديس يوساب السائح، فقد كان هو وزوجته يلبسان المسوح ويعملان بأيديهما ويأكلان عند الثالثة عصرا طعام النساك. وغيرهم كثيرين.
الانسان الروحي يفكر في أبديته أهم بكثير من تنعم وقتي كما أنه يفكر في الفقراء والمحتاجين، ويقول بعض الآباء أن الله ائتمنا على ما بين أيدينا من أموال وامكانيات ويجب علينا حسن التصرف فيها. يقول القديس يعقوب مبكتا البعض -وليس كل الأغنياء بالطبع-: "هلم الآن أيها الأغنياء ابكوا مولولين على شقاوتكم القادمة غناكم قد تهرأ وثيابكم قد أكلها العث ذهبكم وفضتكم قد صدئا وصداهما يكون شهادة عليكم .." (يعقوب 5: 1-3).