+ قيل عن أنبا لانجيوس ،
أن أفكاره قاتله بالخروج الي البرية الداخلية لكي يستريح فجاء صوت سمعه سماعا بليغا وهو يقول : " قلايتك أعظم من خروج البرية ، وهي ضخمة أكثر من البرية " .
فنهض بسرعة ، وأخذ بيده عصا ، وبدأ يمشي في القلاية ويقول :
" من هذه الجهة الشرقية ، يمضي الناس الي القدس ، والقدس هذه هي المدينة المقدسة وفيها صلب الرب ، وأيضا قتل فيها الأنبياء ، وذبح فيها زكريا بن براخيا ، بين الهيكل والمذبح ، فما اعظم ما في هذا الشمرق ، الذي منه المجوس أقبلوا كذلك " ، وانتقل الي غرب قلايته ، وهو يقول :
" وأما هذا الغرب ، فهو الجبل المقدس ، وه والمعروف بالأسقيط وأسماه أنبا بلا ماي ، جبل شيهات ، الذي هوميزان القلوب فما أعظمه من جبل ، فالرب وعد بالمغفرة لجميع من يسكنونه ، ويموتون فيه ، وبالراحة لهم يوم الدين " .
وأما الجهة القبلية ، فما أعظمها ، فقد كان يسكن فيها رأس الآباء البطاركة ابراهيم أبو الأمم ، وعلي رأس هذه الجهة القبلية ، تكلم الله مع ابراهيم واستضافه وملائكته " .
وفي هذه الجهة القبلية ، صعد ابراهيم علي رأسها ، وربط ولده اسحق بيديه ورجليه ، فقال له ولده اسحق ، يا أبتاه ، هوذا الرباط ، وها هي النار والحطب والسكين ، فأين هو الحمل ، العلي أنا هو الضحية اليوم ؟ فنادي الرب ابراهيم قائلا : " لا تمد يدك الي الغلام ، قد قبلت ضحيتك " ، ثم صار يمشي في القلاية الي الجهة البحرية ، وفكر قائلا : " هذا شرح يطول ، هذه القلاية اعظم وأوسع من البرية " .
ولما أعيس من الفكر والمشي ، جلس ، ثم أدركه المساء ، وبدأ يقول لأفكاره :" لقد دخلنا في البرية ، ووصلنا الي المشرق والمغرب " ثم قال لنفسه " أن الذين يبتغون سكني البرية ، خبزا لا يأكلون ، وماء لا يشربون ، فافعل أنت هكذا " .
وخرج علي باب قلايته ، وأكل قليلا من نبات الأرض ، ثم قال لنفسه : " والذين في البرية ، لا ينامون تحت سقف ، بل تحت السماء " ، وفعل كذلك ، بأن ألقي بنفسه علي الصخرة ونام متعبا .
وأقام هلي هذه الحال ثلاثة أيام ، يمشي من بكرة الي عشية في جوانب قلايته ، ويأكل البقل الأخضر ، ويضطجع قليلا تحت السماء ، حتي أعيي وضجر ، وبدا يخاصم نفسه بحرج ، ولطم علي خديه قائلا : " أدخل بعد الي قلايتك ،وأبك علي خطاياك ، ولا يطيش عقلك بقولك : البرية : " ، قد دخلت البرية ، أما سمعت داود يقول : " عين الرب علي خائفيه ، وأذناه تنصتان الي تضرعهم ، ولا يخفي عنه شيء من أفكارنا " فلما نظره المجرب هكذا ، خاف منه ، وانصرف عنه .