+ أخبر بعض الشيوخ :
عن رجل يعمل فاعلا في البساتين ، ويتصدق بجميع أجره خلا قوته ، ثم سوس له الشيطان قائلا له : " ها قد قضيت عمرك جميعه وأنت تتصدق بأجرك ، فهل ضمنت لنفسك عوارض الزمان ؟ اجمع أجرك واحفظه ينفعك " ، فجمع ما استطاع جمعه من أجره .
وحدث بعد قليل وهو يعمل في البستان ، أن دخلت شوكة في رجله وسببت له وجعا شديدا ، فأنفق جميع ما كان معه ، ولم ينتفع بشيء منه ، وبعد ذلك أبتدأ يسأل ويتجدي من الذين كان يتصدق عليهم ، وأخيرا انتنت رجله جدا ، فأشار عليه الأطباء بقطعها ، لئلا يتلف الجلد جميعه والقدم تسوس وأوصوا بسرعة قطعها فورا .
وفي تلك الليلة بينما كان يبكي ويتنهد ، رجع الي نفسه وندم ، لأنه أخطأ بجمعه الصدقة التي كان يتصدق بها ، وكان يقول : " أخطأت يارب ، أغفر لي من أجل محبتك لجنس البشر : ، فظهر له ملاك الرب قائلا له : " اين هي الفضة التي ادخرتها وتوكلت عليها لتعينك في مرضك ، لقد راح ما جمعته باطلا ، والصدقة التي كنت تصرفها قد جعت واخذتها ؟ "
فبدأ يبكي ويقول :
" أخطأت اليك ، اغفر لي ، وان رجعت معافي قويا عدت الي ما كنت عليه اولا " ، فمس الملاك رجله ، وشفيت للوقت ، وقام من ساعته ومضي الي البستان الذي كان يعمل فيه .
وباكرا حضر اليه الطبيب ، ومعه المنشار ليقطع رجله ، فقالوا له : لقد مضي الي البستان يعمل فيه . فمضي اليه الطبيب ، فوجده واقفا يحفر في الأرض وهو صحيح ، فتعجب وسبح الله وحينئذ عرفه سبب مرض رجله وشفائها ، فمجد الله وانصرف عنه .
فالواجب علينا أن نفحص السبل التي سلك فيها الرهبان الذين تقدمونا ونستقيم مثلهم ، فنجد أمورا كثيرة جدا قالوها وصنعوها ، لأن واحدا منهم قد قال أن الأكل بضيق ، والحياة بغير تلذذ ، أذا اقترنا بالمحبة يوصلان الراهب بسرعة الي ميناء عدم الأوجاع ، وقد شفيا فعلا أحد الاخوة من خيالات الليل التي كان يقلق منها ، أذ أمر أن يخدم المرضي وهو صائم فخفت عنه ، وحينئذ قال : أن أمثال تلك الأغراض لا يستطيع أحد اجتنابها الا بالرحمة .