الصوم هو ضبط النفس فيما يتعلّق بما لا حاجة لنا به، وهذه تختلف من شخص لآخر، ومع الوقت تزيد الأشياء التي نستغني عنها، إلى الحدّ الذي نصل فيه إلى عدم القنية.
والصوم هو تدريب بسيط لما هو أعمق من مجرّد الامتناع عن الطعام، مثل ضبط النفس تجاه الأفكار والحواس والأعضاء وذلك في مواجهة الخطية وعروض الشر، فقد تَسبَّب عدم الصوم في طرد آدم من الجنة، وحرمان عيسو من البكورية.
الاصوام في الكنسية
تتنوّع الأصوام في الكنيسة ما بين العامّة مثل: الصوم الكبير، والبرمون، والأربعاء والجمعة، وصوم الميلاد، وصوم الآباء الرسل، وصوم السيدة العذراء؛ إلى جوار أصوام خاصة تقرّرها الكنيسة في ظروف معيّنة (المناداة بصوم جماعي)، وقد حدث هذا كثيرًا في الكتاب المقدس: «قَدِّسوا صَوْمًا. نادوا باعتِكافٍ...» (يوئيل 1: 14). وعلى مستوى الأفراد قد ينصح المدبِّر الروحي ابنه بالصوم في أي وقت.
الصوم عن الدسم:
«رُكْبَتَايَ ارْتَعَشَتَا مِنَ الصَّوْمِ، وَلَحْمِي هُزِلَ عَنْ سِمَنٍ» (مزمور 109: 27)
تضع الكنيسة قوانين للطعام في الصوم، فهناك أصوام يصل فيها النسك إلى درجة عالية مثل الصوم الكبير الذي يعقبه ذكرى آلام الرب وصلبه، وكذلك أيام الأربعاء والجمعة والبرمون، فلا يُؤكَل فيها شيء من الدسم، وهناك بعضٌ من الرهبان والعلمانيين يسلكون بنسك أكثر مما ترتِّبه الكنيسة، بعضهم كان يحيا على وجبة من البلح، والآخر مسلوق ... الخ؛ ثم أصوام أخرى تسمح فيها الكنيسة بتناول السمك، فهو رغم أنه لحم إلاّ أنه يعطى سعرات أقل، ولكن الأقباط، وبسبب محبتهم للنسك، فإنهم يتجاوزون الحد المسموح به بفرح ورضىً، مثلما يحدث في صوم السيدة العذراء حيث يصومون أكثر من مدة الصوم، وأشد نسكًا مما هو مطلوب.
ولنتذكّر الآن كيف اختار الفتية الثلاثة تناول البقول رغم أوامر الملك، وقد كانوا عبيدًا وأسرى، وليس من حقّهم أن يشترطوا الأطعمة أو يعترضوا على أوامر الملك، وهذا يعني أنه بإمكاننا أن نلتزم قانوننا الروحي مهما كانت العقبات أو ظروفنا، ومع ذلك ظهروا أقوياء متماسكين رغم الصوم، ولنتذكّر الآن كيف كان الأنبا أرسانيوس والأنبا أنطونيوس أقوياء أصحاء معمِّرين رغم نسكهم الشديد، ومثلهم أكثر الرهبان، والسبب هو الأكل بشكر وبساطة قلب، مثلما قيل عن المؤمنين في العصر الرسولي: «كَانُوا يَتَنَاوَلُونَ الطَّعَامَ بِابْتِهَاجٍ وَبَسَاطَةِ قَلْبٍ» (أعمال 2: 46)، وكثير من سكّان البراري اقتاتوا على بعض الزروع التي تنبت في الصحراء.
من هنا فإنه من غير المقبول أن يتحايل إنسان على الصوم، فهو يرضي ضميره بالصوم ولكنه يتحايل من جهة أخرى عليه بأطعمة بديلة، وكأن ما أعطاه باليمين يستردّه بالشمال، ناهيك عن سلامة مثل تلك البدائل: فهذا سمن صناعي، ولحوم، وجُبن، وشوكولاته، وجاتوهات، وألبان، وغيرها! وتسال في النهاية: لماذا إذًا الصوم؟ وفي صالح مَنْ؟ وما أشبه ذلك بأشباه الفضائل. كُن واضحًا: هل أنت صائم أم لا؟