كيف يعترف؟
قرر موسى التحول عن حياة الشر ليصبح أشهر تائبي البرية فقدم توبة نقية واعترف أمام الله بخطاياه.. وتبقّى أن يعترف في الكنيسة قدام أبيه الروحي القس ايسيذورس (5).
وعندما ركع قدامه وراح يجاهر بخطاياه في انسحاق شديد، كانت له رغبة صادقة في التخلص مما يثقل كاهله ويعوق مسيرته نحو الله، (والخطية التي لا يُقدم عنها انسحاق بما يوازى قدرها، تعود بقوة أعظم)، هكذا اعترف موسى بخطاياه بطريقة تجمع ما بين الخجل وفضح ذاته، وكل ذلك بعهود داخل دموع غزيرة، ليس ذلك فحسب بل وفي الكنيسة وقدام جميع الحاضرين جاهر بكل جرائمه وخطاياه..
وبينما كان يركع أمام القديس إيسيذورس قس الإسقيط معترفًا، كان الأب الكبير مكاريوس يرى أن كل خطية يعترف بها موسى تمحو جزءًا من اللوح الأسود. الذي ظهر أمامه يمثل خطاياه، حتى إذا انتهى من الاعتراف، صار اللوح أبيضًا كله. وفيما بعد وعندما صار مرشدا موهوبًا لكثيرين، قال من جهة الاعتراف:
+ من يتذكر خطاياه ويقر بها لا يخطئ كثيرا أما الذي لا يتذكر خطاياه ولا يقر بها فإنه يهلك بها.
+ الذي يقر بضعفه موبخا ذاته أمام الله فقد اهتم بتنقية طريقه من الخطيئة.. أما الذي يؤجل ويقول: "دع ذلك لوقته، فإنه يصبح مأوى لكل خبث ومكر.
+ صيانة الإنسان أن يقر بأفكاره ومن يكتمها يثيرها عليه. أما الذي يقر بها فقد طرحها عنه.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن:
ألم يكن قاتلًا!، بل نعرف أن عدد الذين قتلهم قبل توبته يصل إلى مئة شخص، أليس هو مجرمًا وسارقًا، فكيف يمر الأمر بهدوء دون عقوبة؟ ولماذا لم ينصحه الآباء برد ما سلبه مثلما فعل زكا العشار وغيره، ولقد اشتهر عنه سلبه للقوافل المارة على الطريق وجبروته في الانتقام، لدرجة أن اللصوص انتخبوه بالإجماع رئيسًا عليهم. والإجابة أنه لم يكن هناك شخص بعينه أساء إليه موسى وظلمه أو سلبه، ولكن الإجرام كان منهجًا له في حياته السابقة، كما أن توبته بلا شك تعد مكسبًا كبيرًا في حد ذاتها، إذ توقفت بموجبها سلسلة الجرائم والأذى، كما كان له في نفسه حكم الموت إذ كان متأكدًا أنه سيُقتل إتمامًا للقول الكتابي "أن الذين يأخذون بالسيف بالسيف يُؤخذون"، بل ويؤكد يوحنا كاسيان أنه كان دائمًا ينتظر الموت قتلًا بسبب ارتكابه هذه الجريمة سابقًا(6).
وبقدر ما شعر بطول أناة الله عليه ولطفه، بقدر ما صار هو ذاته طويل الأناة مترفقًا بالخطاة، كما يقول القديس بولس في رسالته إلى العبرانيين "لأنه فيما هو تألم مجربًا يقدر أن يعين المجربين أيضًا" (18:2).
_____
والمراجع:
(1) كانت عبادة الشمس أقدم وأكثر الديانات شيوعًا في العالم القديم، واعتبر الناس الشمس إلهًا لما رأوا من تأثيرها على المناخ والبيئة، بل ونسبوا لها أصل الوجود. واختلف اسم إله الشمس ما بين مكان وآخر، فعرف بـ(رع) عند الفراعنة، و(بعل) عند الفينيقيين، و(شمش) عند البابليين، وفي قرطاجنة ’سمى (بعل هامان) واتسمت عبادته بالوحشية حيث كانوا يقدمون له الأطفال كذبائح بشرية. وكان يحتفل بالشمس كل أحد (يوم الشمس Sunday) وأما الاحتفالات الكبرى فكانت تقام أثناء الظواهر الشمسية مثل الكسوف، والذي ُأعتبر علامة شؤم. (موسوعة قصة الحضارة. مجلد 5، كتاب 9، ص89).
(2) مخطوطة 496 بالمتحف القبطي، وهي من أهم المصادر لسيرته، اعتمد عليها أكثر الذين كتبوا عن الأنبا موسى، كما يعد تاريخ بلاديوس من أهم المصادر، وكذلك ما ورد عنه في مناظرات يوحنا كاسيان.
(3) وفي مصادر أخرى " لقد سمعت أنك عبد الله الصالح فأتيت إليك ليجعلني إلهك صالحًا ".
(4) قيل أنه كان يعبد النار فلما باعوه صار عبدًا لرئيس قبيلة يعبد الكواكب، وقد قال أنه الآن لا يعبد أحدًا.
(5) هناك ثلاثة مصطلحات في الكتابات النسكية، لفظة شيخ تعنى مدبر روحي، ولفظة قسيس تعنى أب اعتراف، ولفظة أخ تعنى راهب ضمن الشركة الرهبانية، وقد يكون القس مدبرًا والمدبر قسًا.
(6) كاسيان 1، 26، 711،