لقد جعل موسى شغله الشاغل هو التفكير في خطاياه، ليس كمن هو أسير صغر النفس أو اليأس، وإنما ليدرك على الدوام مقدار محبة الله وطول أناته عليه، وليتعجب كثيرًا كيف كانت حياته السابقة هكذا سوداء وكيف رحمه الله. ولذلك يؤكد كثيرًا على أهمية محاسبة النفس، قال من واقع خبرته الشخصية يحذر من اليأس:
+ اختبر نفسك كل يوم وتأمل في أي المحاربات انتصرت ولا تثق بنفسك بل قل: "الرحمة والعون هما من الله"، لا تظن في نفسك أنك أجدت شيئا من الصلاح إلى آخر نسمة من حياتك.
+ لا تستكبر وتقول "طوباي" لأنك لا يمكنك أن تطمئن من جهة أعدائك.
+ لا تثق بنفسك ما دمت في الجسد حتى تعبر عنك سلاطين الظلمة.
+ الذي يعتقد في نفسه انه بلا عيب فقد حوى في ذاته سائر العيوب.
+ إن لم يضع الإنسان نفسه في مركز خاطئ، فلم تسمع صلاته أمام الرب.
+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
وعن طعامه هو شخصيًا:
قلنا أنه تدرّب على الإقلال من الطعام، حتى صار أكله زهيدًا وحين سأله زكريا تلميذه عن ذلك قائلًا له: "أخبرني يا أبي عن حياة الزهد التي مارستها في شبابك، لكي أمارسها أنا أيضًا؟" فأجابه القديس: "كنت أتناول خبزة واحدة عند المساء، وإذا صُمتُ يومين متتاليين فإنني كنت أتناول خبزتين". ففعل تلميذه هكذا أيضًا.
ولما هاجمته أفكار الزنا، انطلق إلى البرية الجوانية صائمًا لمدة اثنان وأربعين يومًا، دون خبز أو ماء، ودون نوم أو جلوس، ملتمسًا من الرب بدموع أن يخلصه من هذه الحرب حتى حرّره منها فاستراح من قتالها. وهكذا يربط الآباء بين الراحة الجسدية الزائدة (بما فيها النوم والأكل) وحروب الشهوة.
ولما اشتهى ذات يوم أن يأكل سمكًا أو لحمًا فإنه اصطاد ثعبانًا وشواه ووضعه على مائدته، فلما أتاه زائرون وهمّوا بتناول الطعام هتف فيهم ألا يأكلوا من الموضوع على المائدة لأنه (وحش مميت) وفهم الآباء لماذا صنع هكذا، مثلما صنع الأنبا ابرآم أسقف الفيوم حين اشتهى أن يأكل حمامًا فأمر خادمه بأن يعد له ذلك، غير أنه تركه أمامه على المائدة لعدة أيام دون أن يقربه حتى أنتن.