يجدر بالذكر أنه انتهج منهج التلطف بالخطاة والتدرج الروحي مع المبتدئين، ويقول ذات مرة "لا تكن قاسي القلب على أخيك لأننا جميعًا قد تغلبنا الأفكار". ولاشك أنه يقول ذلك من واقع خبرته الشخصية مع أبيه القديس ايسيذورس وكلاهما متمثل بسيده الذي قال عنه القديس بولس "لأنه في ما هو قد تألم مجربًا يقدر أن يعين المجربين" (عبرانيين 2: 18).
كما طبق ذلك عمليًا حين دُعي إلى مجلس تأديب لراهب مخالف، وقد رفض الحضور في البداية، ولما ألح عليه الآباء، فاجأهم بالدخول وهو يحمل على ظهره قفة مثقوبة يجرى منها الرمل من ثقب في أسفلها، فلما استفسر الآباء منه عن مخزى ذلك أجاب أن هذه هي خطاياه قد تركها خلفه حتى لا يراها بينما جاء اليوم ليدين غيره على خطاياه، وقد قيل أن الآباء تأثروا بمسلكه هذا فغفروا للراهب المخطئ إكرامًا للقديس موسى، ولعل الآباء اكتفوا بأن يرى الراهب ما فعله القديس موسى كدرس هام له، لا يقل عن العقوبة.
وكان يقول دائمًا: "إذا تذكر الإنسان خطاياه فإنه لن يقدر أن يدين الآخرين على خطاياهم" ويبدو أن حياة موسى السابقة وما فيها من شرور كانت ماثلة أمام عينيه، ولكن ليس لُتوقعه في اليأس مثلما حاول الشيطان في البداية، وإنما لكي ينسحق أمام الله مستدرًا مراحمه.
في هذا الإطار يقول القديس موسى: "إياك أن تسمع بسقطة أحد إخوتك لئلا تكون قد دنته خفية. وقال كذلك: "خير للإنسان أن يضع نفسه للموت من أن يضع جاره، ولا يدينه في شيء ما".
’سئل القديس موسى ذات مرة عما يفعله أحد العمال الذي ’يضرب كثيرًا ويهان من صاحب العمل، فقال القديس: إذا كان العامل تقيًا فليعتذر ويطلب المغفرة، وأردف السائل وماذا بعد ذلك، أجاب القديس لاشيء، لأنه في اللحظة التي يأتي فيها الإنسان بالملامة على نفسه فإنه ينال رحمة من الرب، والأكثر من ذلك هو الحذر من أن يدين الآخرين فهذا هو كمال الفضيلة. ويردف القديس موسى فيقول للسائل مكتوب أنه عندما قتل الرب أبكار المصريين لم يكن هناك بيتًا خاليًا من ميت، ولما استفسر السائل عن مغزى ذلك، فقال: "إن كنا متيقظين لرؤية خطايانا فلن نرى خطايا الآخرين، كما أنه من الحماقة أن يترك الإنسان في بيته ميت ثم يذهب ليبكى على ميت غيره، ثم قال القديس " فانظر إلى خطاياك واقطع اهتمامك بأي إنسان ولا تشي بأحد، ولا تفكر بالشر على إنسان، ولا تصادق النمامين، ولا تسمع بسقطة أخيك".
ويتحدث القديس موسى عن ضرورة أن يموت الإنسان عن قريبه، فهذا معناه أن يهتم الإنسان بخطاياه، دون الاهتمام بخطايا الآخرين، صالحة كانت أم رديئة، وأن لا تؤذِ أحدًا، ولا تفكر بقلبك في خطايا الآخرين، ولا تحتقر من يفعل الشر، ولا تتعاون مع من يفكر بالشر على الآخرين، ولا تفرح بأذية الآخرين، وهذا هو معنى أن يموت الإنسان عن قريبه.