إن كنا قد رأينا الصليب أو مثال الصليب فى حياة المسيح بالجسد ، فقد أعلن هو عنه صراحة حينما كان يتكلم عن الضيقات كنصيب مقدس للمؤمنين عليهم أن يحرصوا عليه ، وألا يفرطوا فيه من أجل البركة ..
بعد لقاء المسيح مع الشاب الغنى ، الذى دعاه إلى أن يوزع ماله على الفقراء ويحمل الصليب ، لكن هذا الكلام لم يرقه فاغتم ومضى حزينا ( مرقس 10 : 17 – 22 ) ، قال له بطرس " ها نحن قد تركنا كل شىء وتبعناك " . فكان جواب الرب عليه " الحق أقول لكم ليس أحد ترك بيتا أو أخوة أو أخوات أو أبا أو أما أو إمرأة أو أولادا أو حقولا لأجلى ولأجل الإنجيل ، إلا ويأخذ مئة ضعف الآن فى هذا الزمان بيوتا وأخوة وأخوات وأمهات وأولادا وحقولا مع اضطهادات ، وفى الدهر الآتى الحياة الأبدية " ( مرقس 10 : 28 – 30 ) ...
وهنا نلاحظ أن المسيح له المجد يحصى الأضطهادات ضمن البركات التى يعوض بها الإنسان فى هذا العالم عن محبته له !!
كمبدأ عام فى حياة المؤمنين قال المسيح " اجتهدوا أن تدخلوا من الباب الضيق " ( لو 13 : 24 ) ... " لأنه واسع الباب ورحب الطريق الذى يؤدى إلى الهلاك ، وكثيرون هم الذين يدخلون منه . ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذى يؤدى إلى الحياة ، وقليلون هم الذين يجدونه " ( متى 7 : 13 : 14 ) ..
أما عن تعليمه بخصوص الضيقات فقد قال :
" فى العالم سيكون لكم ضيق ، ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم " ( يو 16 : 33 ) ..
" ستبكون وتنوحون والعالم يفرح . أنتم ستحزنون ولكن حزنكم يتحول إلى فرح . المرأة وهى تلد تحزن لأن ساعتها قد جاءت . ولكن متى ولدت الطفل لا تعود تذكر الشدة لسبب الفرح ، لأنه قد ولد إنسان فى العالم "
( يوحنا 16 : 20 ، 21 ) ...
" تأتى ساعة فيها يظن كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله . وسيفعلون هذا بكم لأنهم لم يعرفوا الآب ولا عرفونى . لكنى قد كلمتكم بهذا حتى إذا جاءت الساعة تذكرون أنى أنا قلته لكم " ( يو 16 : 2 – 4 ) ...
" وسوف تسلمون من الوالدين والأخوة والأقرباء والأصدقاء ويقتلون منكم . وتكونون مبغضين من الجميع من أجل اسمى . ولكن شعرة من رؤوسكم لا تهلك . بصبركم اقتنوا أنفسكم " ( لو 21 : 16 – 19 ) ...
أما عن حتمية حمل كل مؤمن للصليب فقال :
" من لا يأخذ صليبه ويتبعنى فلا يستحقنى . من وجد حياته يضيعها . ومن أضاع حياته من أجلى يجدها " ( متى 10 : 38 ، 39 ) ..
" إن أراد أحد أن يأتى ورائى ، فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعنى ، فإن من أراد أن يخلص نفسه يهلكها ، ومن يهلك نفسه من أجلى يجدها " ( متى 16 : 24 ، 25 ، لوقا 9 : 23 ، 24 ) ...
" من لا يحمل صليبه ويأتى ورائى فلا يقدر أن يكون لى تلميذا " ( لو 14 : 27 ) ...
الضيقات وحمل الصليب فى تعليم الرسل :
عاشت الكنيسة الأولى حياة الرب يسوع مشاركة إياه فى الآلام والضيقات ... وسفر أعمال الرسل الذى يسجل أحداث الكنيسة فى تاريخها المبكر ، يذكر ما تعرض له رسل المسيح وتلاميذه من ضيقات وشدائد ... فلقد حبس الرسولان بطرس ويوحنا بعد معجزة شفاء مقعد باب الهيكل الجميل ( أع 4 : 3 ) .. وقبض على الرسل جميعا ووضعوا فى حبس العامة ... لكن ملاك الرب فى الليل فتح أبواب السجن وأخرجهم ..
أهين الرسل وسجنوا وقتلوا ... [ راجع أعمال الرسل ] .
أما عن موقف الآباء رسل المسيح ومشاعرهم من جهة الضيقات والآلام فتعكسها كتاباتهم .. ونعرض لبعض منها :
يفتتح يعقوب الرسول رسالته التى وجهها للمؤمنين عامة بقولـه " احسبوه كل فرح يا أخوتى حينما تقعون فى تجارب متنوعة . عالمين أن امتحان إيمانكم ينشىء صبرا ، ......" ( يعقوب 1 : 2 – 4 ) .
ويقول بطرس الرسول : " أنتم الذين بقوة الله محروسون بإيمان لخلاص .. الذى به تبتهجون مع أنكم الآن إن كان يجب تحزنون يسيرا بتجارب متنوعة . لكى تكون تزكية إيمانكم ، وهى أثمن من الذهب الفانى ، مع أنه يمتحن بالنار " ( بط 1 : 5 – 7 ) ..... ،
[ راجع 1 بط 3 : 13 ، 4 : 1 ، 4 : 13 ، 14 ] .
أما يوحنا الحبيب فهو الذى حفظ لنا قول الرب يسوع :
" الحق الحق أقول لكم إن لم تقع حبة الحنطة فى الأرض وتمت فهى تبقى وحدها . ولكن إن ماتت تأتى بثمر كثير . من يحب نفسه يهلكها ، ومن يبغض نفسه فى هذا العالم ، يحفظها إلى حياة أبدية " ( يوحنا 12 : 24 ، 25 ) .
ويفتتح رؤياه وهو منفى فى جزيرة بطمس " من أجل كلمة الله ، ومن أجل شهادة يسوع المسيح " ، بقولـه " أنا يوحنا أخوكم وشريككم فى الضيقة ، وفى ملكوت يسوع المسيح وصبره " ( رؤ 1 : 9 ) ...
ويسجل لنا يوحنا منظرا رآه واعلن له " .... قال لى هؤلاء هم الذين أتوا من الضيقة العظيمة . وقد غسلوا ثيابهم وبيضوا ثيابهم فى دم الخروف . من أجل ذلك هم أمام عرش الله ويخدمونه نهارا وليلا فى هيكله ، والجالس على العرش يحل فوقهم . لن يجوعوا بعد ولن يعطشوا بعد ولا تقع عليهم الشمس ولا شىء من الحر . لأن الخروف الذى فى وسط العرش يرعاهم ويقتادهم إلى ينابيع ماء حية ، ويمسح الله كل دمعة من عيونهم " ( رؤ 7 : 9 – 17 ) .
أما رسائل بولس الرسول فتمتلىء رسائله بالكلام عن الضيقات والآلام وبركاتها والكنوز المذخرة فيها ، كانعكاس لخبرته الشخصية وتجربته مع الألم والضيق ..
ومنذ بداية قصة بولس مع المسيح – بعد اهتدائه قرب مدينة دمشق – قال عنه لحنانيا :
" سأريه كم ينبغى أن يتألم من أجل اسمى " ( أع 9 : 15 ، 16 ) ...
ولم تكن هذه الكلمات نوعا من التوعد لهذا الخادم الجديد جزاء أخطائه السابقة ، لكنها اعلان عما تفعله الآلام بالنفس التى تحب الرب من أعماقها .. إن الآلام تكمل الإنسان .
وهذا ما اختبره بولس وقاله عن المسيح له المجد " لأنه لاق بذاك الذى من أجل الكل وبه الكل وهو آت بأبناء كثيرين إلى المجد ، أن يكمل رئيس خلاصهم بالآلام " ( عب 2 : 10 ) .. كان بولس الرسول طراز عجيب من البشر ، فبعدما استعرض عمق محبته لسيده وأن لا شىء يمكن أن يفصله عنه حتى الموت فى صوره المختلفة ، هتف فى ( رومية 8 : 37) :
" ولكننا فى هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذى أحبنا "