يقول القديس أولوجيوس لتلميذه: "يا بنى عَود نفسك إضعاف بطنك بالصوم شيئًا فشيئًا لأن بطن الإنسان إنما يشبه زقاَ فارغًا فبقدر ما تمرنه وتملأه تزداد سعته، كذلك الأحشاء التي تحشى بالأطعمة الكثيرة، ان أنت جعلت فيها قليلًا ضاقت وصارت لا تطلب منك إلا القليل".
ويرد في سيرة القديس موسى الأسود، أنه عندما دخل إلى الدير كان طعامه ما يوازى خروف كامل، وقد استخدم الآباء التدرج معه بطريقة عجيبة، فقد جاءه الآباء بفرع كبير من شجرة واتفقوا معه على أن يقدَمون له طعامًا يوميًا بما يساوي في وزنه ذلك الفرع، ومع الوقت وبعد عدة سنوات أصبح الفرع يابسًا جدًا فخف وزنه ونقص طعامه نقصانًا متواليًا مع الوقت، ومما هو معروف عنه أنه كان من أشهر النساك فى البرية.
ومن بين العادات الجيدة التي يتعلَمها الراهب فى بداية حياته هى صلاة يسوع (يا ربى يسوع المسيح إرحمنى أنا الخاطىء) حيث يتمّ التدرَب عليها من خلال "سبحة" يحملها في يده، على أن يردد هذه الصلاة مرة واحدة مع كل حبة يحركها من حبات السبحة، ففى اليوم الأول ولمدة عدة شهور يتمم سبحة كاملة (33 حبة) وبعد ذلك يرددها عدة مرات (يكرر السبحة الواحدة عدة مرات) ومع الوقت تزداد عدد المرات، حتى تتردّد تلقائيًا مع حركات التنفس، وفى اختبار الراهب لورانس لهذه الصلاة أصبح يرددها مع كل شهقة وكل زفرة، بحيث يقول شطرة "يارب يسوع المسيح" مع الشهقة وكأنه بذلك يقتبل المسيح داخله، ثم يقول شطرة "ارحمني أنا الخاطىء" مع الزفرة، وكأن المسيح بذلك يطرد الخطية من داخله، وبذلك يتعلم الراهب صلاة يسوع من خلال التعود، بحيث تصبح جزءً لا يتجزأ منه. إنها عادة جيدة تقدس الفكر والوقت والحواس.
يروى شخص رافق أحد المرضى في المستشفى عند احتضاره، حيث كان سن ذلك المريض قد قارب الثمانين، وكانت له عادات ثابتة صارت وكأنها أعضاءً في جسده.. فقد كان يستيقظ عند السابعة فيمضى من توه إلى الحمام، وعند الثامنة تكون إبنته قد أعدت له فنجانًا من الشاى، وكان مأسورًا لعادة التدخين أيضًا أكثر من معاناته من تلف الرئتين وضعف القلب وضيق التنفس فيجلس فوق أريكة خشبية فى بهو الدار يشرب الشاى ويدخن، وكان عند الرابعة عصرًا يخرج إلى أمام بيته يجلس على الأريكة يرفع قدمه ويثنيها بينما يترك الأخرى طبيعية، ممسكًا بسيجارته، فإذا ما انتهى منها طوح بعقبها بعيدًا. وعندما دخل في الغيبوبة ووضع تحت العناية المركزة ولمدة ثلاثة وأربعة أيام، حدث ما يعد عجيبًا، لقد كان يتبرز لا إراديًا عند السابعة صباحًا بالتمام، أما عند الثامنة فقد لوحظ أن يده تتحرك بطريقة ترددية نحو فمه، أما عند الرابعة عصرًا فقد ارتفعت قدمه وانثنت تلقائيًا بينما راحت يده تتحرك نحو شفتيه عدة مرات بعدها ألقى بيده بكل قوة كمن يرمى عقب السيجارة... هكذا العادة...
ويمكننا التخلص من العادات السيئة عن طريق استبدالها بأخرى جيدة، يقول الأب ديودورس الفوتيكى " هؤلاء المبتدئون فى طريق القداسة يبدو لهم طريق الفضيلة صعبًا، وهو وإن كان يبدو هكذا لأن طبيعتنا البشرية منذ الطفولة قد اعتادت الطرق الرحبة للشهوات الجسدية ولكن أولئك الذين اجتازوا أكثر من نصف الطريق يجدون أن طريق الفضيلة سهل لأن العادات الرَديئة عندما تواجه بأخرى جيدة من خلال عمل النعمة فهى تتلاشى بعدم تذكر الشر، وبعد هذا تعبُر النفس بفرح إلى كل طرق الفضيلة، ولهذا عندما يضعنا الرب على أول طريق الخلاص فهو يقول (ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذى يؤدى إلى الحياة وقليلون هم الذين يجدونه مت 14:7) ولكن هؤلاء الذين قبلوا تعاليمه بقوة يقول لهم "نيرى هين وحملى خفيف" (مت30:11)، إذًا فى بداية الجهاد يجب أن نسلك بتغصب حسب قول السيد المسيح "منذ أيام يوحنا المعمدان إلى الآن ملكوت الله يغصب والغاصبون يُختطفون" (مت 12:11) وعندما يرى الله غيرتنا ومحبتنا وجهادنا يُمنحنا الإرادة والفرح من أجل الطاعة.
يقول الأب بطرس الدمشقى "العادة المتأصلة طويلًا يكون لها قوة الطبيعة ولكن إذا لم تفسح لها الطريق فإنها تفقد قوتها وتتلاشى تدريجيًا، سواء أكانت جيدة أم رديئة إذ أن الوقت يغذيها مثلما يغذى الوقود النار فلذلك على قدر إستطاعتنا يجب أن نزرع ونمارس ما هو جيد حتى تصبح عادة متأصلة تمارس تلقائيًا وبدون جهد، وهكذا من خلال النصرة على العادات البسيطة انتصر الآباء في المعارك الكبيرة.