محبة الذات تقف حائلاً منيعاً ضد حياة البذل والعطاء :
مثال ذلك كل المصابين بالبخل والتقتير. والذين لا يدفعون حق الله في أموالهم من أجل انفاقه علي الذات واللذات. غير أن المحب لذاته قد يعطي. ولكن في حدود معينة محدودة لا تصطدم بذاته ورغباتها. وهو قد يعطي من فضلاته وليس من أعوازه وحتي في خدمة الآخرين- إذا وافق علي خدمتهم- لا يعطيهم إلا من فضلات وقته. كما يعطي الفقراء من فضلات ماله أو مقتنياته.. إنه حريص جدا علي ما يخص ذاته ويلزمها. وفي سبيل ذلك لا يبالي باحتياجات الآخرين. ولا يشعر بدافع انساني في داخله يدفعه أو يرغمه علي إعانتهم.
***
ومهما أعطي. فإنه يعطي من خارج ذاته. ولا يمكنه مطلقاً أن يبذل ذاته. أو يضحي بذاته من أجل غيره.
ولا يمكنه أبداً أن يفتدي غيره بنفسه. وإذا وجد خطراً يلحق به إذا ما دافع عن غيره. يضع حداً لدفاعه أو يمتنع عن ذلك. لأن ذاته هي الأهم في نظره! حقا ما أبعد محبة الذات عن التضحية وعن الفداء. وعن الاستبسال في بذل الذات من أجل الآخرين.
إذا كان الأمر هكذا. فماذا نقول عن الاستشهاد؟
المحب لذاته لا يستطيع أن يقدم علي الاستشهاد. لأن نفسه عزيزة عليه. ولهذا كان من صفات الشهيد أنه يتخلص أولاً من محبة الذات ومن الاهتمام بمثل هذا الاهتمام الباطل الذي يعوق بذلها لأجل غيرها.
***
إلانسان المفكر لذاته- حينما يعطي- إنما يعطي خير ما عنده.
ذلك لأنه لا يحب الخير لذاته. بقدر ما يحب الخير للغير. والمعروف أن المحبة لا تطلب ما لنفسها. المحبة المنكرة لذاتها. هي مثل الشمعة التي تذوب لكي تضئ للآخرين. ومثل حبة البخور التي تتقد وتبذل ذاتها. لكي تقدم رائحة عطرة لمن حولها..
المحب لذاته لا يمكنه أن يعطي خير ما عنده. بل يحتجزه لنفسه. أما الذي ينكر ذاته. فمن أعمق الأمثلة له: الأم التي تعطي كل ما تستطيع اعطاءه لطفلها. الذي من أجله تبذل كل ما عندها لاسعاده. ولا تفكر اطلاقاً في نفسها أمام احتياج طفلها.
أما أسوأ ما في محبة الذات- في مجال العطاء- أن يعطي الانسان شيئاً. ثم يندم علي ذلك فيسترجعه!
***
الإنسان المحب لذاته. يجد أحياناً أنه لابد أن يقف ضد الآخرين. لإثبات ذاته وتفوقه. وأول خطوة في ذلك هي المنافسة:
المنافسة إن كانت مباراة في النفع العام. بحيت يتنافس الكل في خدمة المجتمع. حينئذ تكون المنافسة خيرا.. أما إذا كانت محاولة لتحطيم الآخر. لاثبات التفوق عليه. فهنا تظهر الذات ومعها عدم محبة الآخرين. حسن أن يتباري الجميع في التفوق. أما أن يكره شخص من يتفوق عليه. ففي هذه الحالة تظهر خطورة محبة الذات.
هنا تقود الذاتية إلي الحسد والغيرة وإلي الكراهية إنها الغيرة الطائشة التي تريد أن يصل إليها وحدها كل شئ. ولا يصل إلي غيرها شئ!!.. إنها الأنانية التي تريد بها الذات أن تكون هي وحدها التي تكبر. والتي تملك! وهي وحدها التي تتفوق والتي تمدح وهي التي تسلط عليها الأضواء ولا تسلط علي غيرها. وإلا...
وإلا تبدأ الذات حرباً علي كل من ينافسها. أو حتي علي كل من يسير في نفس الطريق معها!!
إنها مشكلة الذات التي تريد أن تكبر وحدها. وفي ذلك تثير جوا ضد من يعمل في نفس مجالها. دون ما عيب فيه. ودون أن يقترف ذنبا ضدها. أو ضد غيرها!.. كل عيبه هو تفوقه!!
إنها مشكلة المتفوقين في كل مجال. ممن يحسدهم علي تفوقهم!
وليس سهلا علي هؤلاء المتفوقين أن يمتنعوا عن التفوق. إذا كان الحسّاد يتضررون من تفوقهم! ما ذنب البلبل الغريد إن كان صوته أجمل من صوت ذلك الصقر المتوحش؟!