كثير ما يقع بعض الناس في مشاكل. ويوقعون غيرهم في مشاكل. لأنهم يهتمون بالحرفية وليس بالروح! منذ أكثر من خمسين عاماً. كان أحد رؤساء المصالح في خلاف شديد مع الموظفين. وكانوا يكرهونه جداً. فجاء يعرض مشكلته عليّ. وقال لي: "لست أدري لماذا يكرهني هؤلاء. بينما لم أتصرف معهم أي تصرف يكون ضد القانون؟!" فقلت له إن مشكلتك أنك لا تتصرف معهم إلا بالقانون وليس بالحب. كما أنك تعاملهم بحرفية القانون وليس بروحه!!". وقلت له أيضا إن القانون أعطاك سلطة عليهم. والله تبارك اسمه أعطاك عقلاً به تحسن استخدام السلطة في حكمة. والسلطة في روحها أعطيت لتنظيم العمل. وليس للسيطرة.
مدير آخر في سوء استخدام سلطته. فقد هيبته علي مرءوسيه. وكانوا لا يطيعونه أحياناً..! فقال لأحدهم في انتهار "ألا تعلم أنني رئيسك؟!" فأجابه ذلك الموظف في جرأة "أنت لست رئيسي. بل أنت رئيس فقط علي هذه الأوراق التي علي مكتبي.."
كلنا نخضع للقانون. ولكن القانون يُفهم بروحه وليس بحرفية نصوصه.
لذلك توجد للقانون مذكرة تفسيرية. توضّح الهدف منه. وحدود تنفيذه. والحالات الاستثنائية الخاصة به. وذلك حتي لا ينحرف البعض في فهمه. ويفسره أو يطبقه بطريقة خاطئة..!
نعم. ما أكثر ضحايا التطبيق الخاطئ للقانون. الذي يصبح فيه سيفاً علي رقاب البعض. وليس ميزاناً توزن به أعمالهم..! وما أكثر الذين يبحثون عن بعض الضوابط في تنفيذ القانون ليجعلوها عقداً أو عراقيل! وما أكثر الذين يفتشون عن ثغرات معينة في أي قانون. ليتخذوها وسيلة للهروب من القانون نفسه. وقد يحكم القضاء بأمر ما. ويقوم البعض بإشكالات تمنع التنفيذ. وللأسف بنصوص أخري من بعض القوانين!
ولكل اولئك نقول: أين روح القانون؟ وأين هيبته؟
***
هناك حكم يقول "القاتل يُقتل". ولكن القضاء في عدالته لا يأخذ بحرفية هذا المبدأ. إنما يراعي روحه بكافة التفاصيل. فيدرس القضية وظروفها. وهل حدث القتل عفواً أو عرضاً أو خطأً أو سهواً. أو عن طريق الإصرار والترصد وسبق الإعداد وإحكام الخطة؟ وهل القاتل كامل العقل أم مختل أم مجنون؟ وهل وقت ارتكاب الجريمة كان في كامل إرادته وحريته؟ أم كان مرغماً أو مضطراً أو مستفزاً أو محرضاً من غيره؟ وهل ارتكب الجريمة دفاعاً عن النفس. أم دفاعا عن الشرف. أم دفاعاً عن غيره؟ أم بقصد الحقد أو الانتقام أو السرقة أو بنية خبيثة؟..
وبعد فحص القضية من كافة نواحيها وحيثياتها. ودراسة حالة الجاني من حيث عقليته ونفسيته وإرادته ونيته. وبعد سماع الشهود ومرافعة النيابة والدفاع.. أخيراً يحكم القاضي بالإعدام أو بالسجن. أو بالبراءة أحياناً. أو بالإيداع في مستشفي الأمراض العقلية.
إن الأمر ليس مجرد حرفية القانون بقتل القاتل. إنما بروح القانون الذي يدرس ويحقق قبل أن يحكم.