السيد المسيح قال لتلاميذه : ” ها نحن صاعدون إلى أورشليم و ابن الإنسان يُسَلَّم إلى رؤساء الكهنة و الكتبة فيحكمون عليه بالموت . و يُسَلّمونه إلى الامم لكي يهزأوا به و يجلدوه و يصلبوهو في اليوم الثالث يقوم” (مت20: 17 – 19) . و أيضاً قال : ” ابن الإنسان لم يأتِ ليُخدَم بل ليَخدم ، و ليبذل نفسه فدية عن كثيرين ” (متى 20: 28) . ” هذا هو دمي الذي للعهد الجديد، الذي يُسفَك عنكم و عن كثيرين لمغفرة الخطايا “(متى 26: 28) .
بمعنى أنّ عطية الخلاص هي هبة من الله بالمسيح، الإنسان الواحد يسوع المسيح (رومية 5: 1) ، لأننا نحن الذين نؤمن بمن أقام يسوع ربنا من الأموات. الذي أُسلِمَ من أجل خطايانا و أقيم لأجل تبريرنا ” ( رومية 4: 24 و 25) . ” هكذا تمْلُك نعمة الفداء بالبر الذي تممه بالمسيح يسوع للحياة الأبدية و الخلود (رومية 5: 20 و 21) . و لم يكن للخطية سلطان بعد بفداء المخلّص، لذا قال : ” أين شوكتك يا موت، أين غلبتك يا هاوية ” ( 1كو 15: 54 و 55) .
بفيض النعمة و عطية البر سنملك في الحياة بالواحد يسوع المسيح (رو5: 17) ، فبموت ابن الله تحرّرنا من العبودية و أظهر الله حبّه للبشر . لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد – الله الظاهر في الجسد(1تي 3: 16) – لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية ” (يو1: 1 و14) .
و يقول في (يو3: 14 و15) ” وكما رفع موسى الحية في البرية ، هكذا ينبغي أن يُرفع ابن الإنسان ، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية ” ، فأصبح في الصليب حياة من بعد موت ، و أوجاع لها غفران ، و آلام لها مجد . فيقول المزمور: ” قلت أعترف للرب بذنبي وأ نت رفعت آثام خطيتي” (مز32: 5) ، رفع المسيح آثامنا بصلبه و موته و قيامته ، و نلنا حياة جديدة ” مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها ” (أفسس2: 10) ، بعد أن تخلعوا من جهة التصرف السابق الإنسان العتيق الفاسد – الذي مات يوم الجمعة الكبيرة على الصليب بفداء المسيح لنا على الصليب – و تجددنا ، لبسنا الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر و قداسة الحق ” (أفسس4: 24) . لأن بصليب ربنا يسوع قد صُلب العالم لي و أنا للعالم (غلاطية 6: 14) ، فلا نصرة و لا حياة أبدية بدون دم الصليب (كولوسي 1: 20) .
قال الرب يسوع : ” متى رفعتم ابن الإنسان فحيئذ تفهمون إني أنا هو و لست أفعل شيئاً من نفسي بل أتكلم بهذا كما علمني أبي ” (يو8: 28) . و أيضاً قال : ” و أنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إليّ الجميع ، … مشيراً إلى أية ميتة كان مزمعاً أن يموت ” (يو 12: 31 و 32) .
بموت الصليب تظهر خطورة المعصية و شناعة الخطيئة و الإثم . هذا الموت كان الشيطان يريد أن يثني السيد المسيح عن تنفيذه في التجربة على الجبل ، قائلاً له : إن سجدت لي، فهذا العالم هو مملكتي ، في إمكاني أن أعطيك إياه، و لا داعي للصليب و الآلام و المعاناة ، و في صلبك ستظهرأمام الناس أنك مهزوم و مغلوب و مطعون . موقف غير جيد أن تكون فيه !!! لكي يكون العالم لك سأعطيه لك و لا داعي لكل آلام الصليب و الإهانة .
السيد المسيح يعلم تماماً أن الشيطان كذاب و أبو الكذاب (يو8: 44) ، لأن الشيطان يعرف جيداً أن الصليب يحرّر الإنسان من عبوديته له و للخطية ، فالكتاب يقول : ” إن حرّركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً (يوحنا 8: 36) و الشيطان لا يريد حريتنا أبداً ، لذلك إثبتوا في الحرية التي قد حررنا بها المسيح، و لا ترتبكوا بنير عبودية (غل5: 1) . فالذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء و الشهوات (غل 5: 24) . و يقول الرسول بولس : ” أكمل نقائص شدائد – آلام – المسيح في جسدي (كو 1: 24) .
مات المسيح على الصليب ليفدي البشرية من الشيطان رئيس سلطان الهواء (أف2: 2) ، قد كنتم أمواتاً بالذنوب و الخطايا التي سلكتم فيها قبلاً حسب دهر هذا العالم حسب رئيس سلطان الهواء الروح الذي يعمل الآن في أبناء المعصية (أف2: 1 و 2) ، فإن مصارعتنا ليست مع دمٍ و لحمٍ بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحية في السماويات . من أجل ذلك إحملوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تقاوموا في اليوم الشرير و بعد أن تتمموا كل شيء أن تثبتوا . فاثبتوا ممنطقين أحقاءكم بالحق و لابسين درع البر . و حاذين أرجلكم باستعداد إنجيل السلام . حاملين فوق الكل ترس الإيمان الذي به تقدرون أن تطفئوا جميع سهام الشرير الملتهبة . و خذوا خوذة الخلاص و سيف الروح الذي هو كلمة الله ” (أفسس6: 12 – 17) . فلنلبس سلاح الله الكامل لكي نقدر أن نثبت ضد مكايد إبليس (أف6: 11) .
فموت المسيح على الصليب هو موت شامل لتحرير البشرية من قوة إبليس الفاسد الشريرو من كل صوره . كما أن المسيح قدم نفسه ذبيحة شاملة تشمل جيع الذبائح التي كان يقدمها رؤساء الكهنة عن خطايا كل الشعب (خمس ذبائح : الخطية ، الإثم ، المحرقة ، السلامة ، الشكر) .
الصليب في فكر الآباء :
القديس أثناسيوس الرسولي : ” الصليب هوقوة الله للخلاص و الملائكة يخضعون لقوّته ” .
الكنيسة في ذوكصولوجية الصليب : ” الصليب هو سلاح الغلبة ، عرش الملك … فرح المسيحيين الغالب ضد المعاندين ، وثباتنا نحن المؤمنين . عزاء المؤمنين ، وثبات الشهداء حتى أكملوا عذاباتهم … علامة الخلاص …النور المُشرق …سيف الروح.. ينبوع النِعَم…كنز الخيرات…”
لا نعرف المسيح بدون صليبه ، و لا الصليب بدون المسيح .
أحبائي ..
كل سنة وكلكوا طيبين وبخير بمناسبة عيد الصليب وبركاته المقدسة تكون معاكم وتقويكم وترعاكم لآن : ” كلمة الصليب عند الهالكين جهالة وأما عندنا نحن المخلَّصين فهي قوة الله ” ( 1كو1: 18 ) .