بابياس ورفقاؤه الشهداء
من كورنثوس نُفيّ جماعة من الشبان من كورنثوس باليونان إلى منطقة طيبة
بصعيد مصر بسبب إعلانهم عن إيمانهم بالسيد المسيح، وذلك في عهد
الإمبراطور مرقس أوريليوس نوميريان، سنة 284م. أما أسماء هؤلاء الشبان
فهي: بابياس ، فيكتوريانوس، فيكتور (بقطر)، أنيسيفورس، كلوديانوس،
ديسقورس، سيرابيون. إذ التقى هؤلاء الشبان بالوالي سابينوس، وقد ظهرت
عليهم علامات الوقار والاتزان مع الغِنى والشرف رقّ لحالهم، وصار يحثهم
بلطفٍ سائلاً إيَّاهم أن يترفَّقوا بشبابهم وينكروا مسيحهم ويخضعوا لإله
الإمبراطور حتى لا يتعرضوا للعذابات المريرة وإلى فقدان حياتهم. أجابه
الشباب بلطف وحزم مُعلنين إيمانهم بمسيحهم، أما عن الآلام التي هدَّدهم بها
فقالوا له: "هذه هي طلبتنا التي لن نكف عن أن نسألها من ربنا خلال صلواتنا
البسيطة، وإننا نشعر بسعادة عظيمة إن استجيب لنا". عندئذ عرَّضهم لبعض
المتاعب البسيطة ليرى إن كانوا ينهارون أمامها، وإذ أظهروا كل ثبات عذبهم
بعنف. مع الشهيد فيكتوريانوس كما اعتاد الولاة الرومان، سأل الوالي
سابينوس فيكتوريانوس عن اسمه، وكانت الإجابة أنه مسيحي. هدَّده الوالي
بالعذابات القاسية التي يعدَّها له إن لم يذبح للآلهة، فأجابه: "إنني أخشى الآلام
الفائقة الوصف التي تنتظرني إن ارتدِّيت عن إيماني، أما عن العذابات التى
تعدّها لي فإني أتقبلها حتى أنجو من العذابات التي ما بعد الحياة، هذه التي
أُعدَّت لكم وللشيطان أبيكم". ابتكر سابينوس طريقة للتعذيب، إذ جاء بساق
شجرة طويلة من البلوط وجوَّفها وملأها فتحات، ثم قال لفيكتوريانوس في
سخرية: "أدخل إلى مخدعك الجديد". أجابه القديس: "يالك من مسكين! إنك
تريد أن تسخر بي بهذه الوسيلة مع إنني أينما وُجدت أكون أنا نفسي منزلاً
يسكن فيه إلهي يسوع المسيح، الذي بفضله أحتمل كل عذاباتكم". دخل
فيكتوريانوس في ساق الشجرة بنفسه، ثم أُعطيت الإشارة للجلادين أن يُدخلوا
أدوات حديدية مسننة من الفتحات حتى امتلأ جسد القديس من الجراحات،
وكان الدم ينزف من كل جانب، وكان الوالي في سخرية يقول
لعسكره: "قولوا لفيكتوريانوس الذكي أن يحمى إيمانه الذي يبشر به". أُخرِج
الشهيد لكي يسحق الجند يديه ورجليه بالمطارق، ثم قطعوا رأسه بالسيف،
ونال إكليل الاستشهاد. مع الشهيد سابينوس ورفقائه أمر الحاكم ببتر يديّ
سابينوس ورجليه وإلقاء جسده في الاسطوانة الخشبية، وكان الشهيد
يصرخ: "هذا كله يزيد من مجدي الأبدي". وإذ خرج كجثة هامدة ضربوه
بالسيف، لتنطلق نفسه متهللة إلى الفردوس. أما أنيسيفورس فإذ رأى رفيقيه
اللذين استشهدا انطلق بنفسه نحو الاسطوانة طالبًا من الوالي أن يُسرع بالحكم
عليه، فأمر الوالي بإخراجه من الاسطوانة ليُشوى بالنار؛ لكن قبل مفارقة
نفسه لجسده قطَّعوا جسمه إلى أجزاءٍ صغيرة، أما نفس القديس فكانت ممتصَّة
في المجد الأبدي. جاء دور كلوديانوس فقُطع جسمه إربًا وألقيَّ بها عند أقدام
زملائه الباقين لعلَّهم يرتعبون. أما سيرابيون فقُطعت رأسه، وبابياس ألقيّ في
النهر، وهكذا نال الكل إكليل الشهادة، حاملين بفرح سمات ربنا يسوع
المصلوب!