يشمل هذا الموضوع الحديث عن نقطتين: إحداهما هى معرفتنا نحن بالله، والثانية هى المعرفة التى لله كإحدى صفاته تعالت صفاته..
أما عن معرفتنا بالله، فهى معرفة محدودة، تكفى للإيمان به وتمجيده، وتدعونا إلى طاعته وحفظ وصاياه، والاتكال عليه، والصلاة له...
إن الله – تبارك اسمه – هو غير محدود فى كل شئ. بينما الإنسان كائن محدود. إنه محدود فى عقله وفى معرفته، مهما كان عالماً... وطبيعى أن المحدود لا يمكنه أن يدرك غير المحدود. إنما يكفيه أن يتمتع بالقدر الذى تمنحه النعمة أياه من المعرفة بالله، ويشكر على ذلك...
من أجل هذا قلنا إن معرفتنا بالله معرفة محدودة.
****
قيل إن أعلم الناس فى المعرفة، هو الذى – من جهة العمومية – يعرف شيئاً عن كل شئ. ومن جهة التخصص: يعرف كل شئ عن شئ. وحتى هذا التعبير مخطئ عملياً. لأنه لم يوجد حتى الآن شخص واحد يعرف شيئاً عن كل شئ، ولا شخص واحد يعرف كل شئ عن شى... إنما معرفتنا البشرية قاصرة على معرفة بعض الأشياء عن بعض الأشياء. ونحن نسعى إلى استكمالها فى كافة المجالات، إن استطعنا...
أما الله – تعالت قدرته – فهو يعرف كل شئ عن كل شئ
أى أنها معرفة شاملة كاملة. ولاشك أن معرفة الله بكل شئ، هى واحدة من صفاته الذاتية التى ينفرد بها عن سائر مخلوقاته
وليسمح لى القارئ العزيز أن أتامل قليلاً فى معرفة الله، وفيما يميز هذه المعرفة من صفات...
****
من صفات معرفة الله، أنه يعرف الأمور قبل كونها، أى انه يعرف المستقبل، ويعرف الغيب...
والمستقبل ليس فقط فى معرفة الله، إنما هو أيضاً تحت سلطانه. وهو أيضاً تحت ضبطه، وهو يقدر على تغييره اذا شاء.
ومعرفة الله بالمستقبل هى معرفة يقينية ثابتة، وليس عن طريق الإستنتاج كما يقول بعض البشر فى معرفتهم. فقد يقول أحد المدرسين عن بعض تلاميذه قبل الامتحان هذا الطالب سيرسب، وذاك سينجح بتفوق. ويتم ذلك فعلاً، ولكن عن طريق الاستنتاج، وبناء على معرفة سابقة بحالة كل طالب..
وقد يتحدث علماء الأرصاد عن حالة الجو فى الأيام المقبلة من جهة الحرارة أو المطر. ولكنها معرفة استنتاجية بناء على رصدهم لحركة الرياح وللسحب المحملة بالمياه. ومع ذلك قد تصدق توقعاتهم أو لا تصدق...
أما معرفة الله بالمستقبل، فلا تدخل تحت دائرة الاستنتاج. كما أنه قد يوحى بها إلى بعض رسله، فيتنبئون الناس بها، وتسمى نبوءة. وهى مجرد نقل معرفة الله بالمستقبل، ولو بعد عصور بعيدة فى أزمنة ستأتى...
****
ومن صفات معرفة الله، أنه يعرف الأمور بدون واسطة، وأيضاً بدون تدرج. بعكس معرفة البشر...
ما أكثر المقاييس والأوزان والأجهزة عند الناس. وفى عالم الطب مثلاً، لا يتأكدون من حقيقة المرض وتشخيصه الا بناء على وسائط عدة، كالتحاليل، أو كشف الأشعة، أو الـ M.R.I ، أو القسطرة، أو ميزان الحرارة، أو جهاز معرفة ضغط الدم، وما الى ذلك من الوسائط...
أما الله فيعرف طبيعة المريض وعلاجه دون أية وسائط... كذلك كثيراً ما يجهد البشر أنفسهم فى اكتشاف مناطق البترول أو الذهب أو الأحجار الكريمة بعديد من الحفريات، قد لا يأتى الكثير منها بنتيجة. أما الله فيعرف كل تلك المناطق التى يجهد البشر أنفسهم فى معرفتها، ذلك لأنه هو الذى شاء أن يوجد الذهب أو البترول فى تلك المناطق، بإرادته الالهية وحسن تدبيره
من صفات الله أيضاً أنه يعرف طبائع الكائنات أو المخلوقات كلها، ذلك لأنه هو الذى منحها تلك الطبائع حينما خلقها..
فقد يستنتج البشر أن المادة الفلانية أو العشب الفلانى يصلح لعلاج مرض معين. أما الله فيعرف ذلك، لأنه هو الذى وضع فى تلك المادة تلك الخاصية منذ خلقها، قبل استنتاج البشر لذلك...
إنه جّلت قدرته، يعرف طبيعة المادة بصفة عامة، ويعرف طبيعة جميع المواد كلِِ منها على حدة. ويعرف طبيعة الروح والعقل والنفس، لأنه هو الذى وهبها طبائعها، بحكمة الهية من عنده
وقد يحاول البعض أن يعرف طبيعة الروح مثلاً، وعلاقتها بالجسد، ومصيرها بعد الخروج من الجسد. ويؤلف علماء الروح فى ذلك كتباً، وقد يختلف معهم رجال الدين فى كثير من النقاط. وتبقى المعلومات اليقينية الثابتة فى جميع التفاصيل فى علم الله، إلا ما سبق وأعلنه الله...
****
الله أيضاً يعرف الماضى والحاضر والمستقبل، كله دفعة واحدة...
كل ذلك كائن أمامه فى نفس الوقت، صورة واضحة، لا يسبق أحدها الآخر. بما فى ذلك ما كان قبل خلق الكون، وما سوف يكون أيضاً فى الأبدية التى لا تنتهى ومصير كل واحد فيها...
****
الله أيضاً – فى معرفته غير المحدودة – يعرف العوالم الأخرى...
يعرف كل ما يتعلق بالكواكب والنجوم والشموس والمجرات والشهب، بتفاصيل كثيرة فوق معرفة جميع البشر وعلماء الفضاء منهم...
يعرف أعماق السماء، وأعماق الأرض كل الأرض، وأعماق البحار كل البحار، ويعرف طبيعة الجو والهواء مهما كان الارتفاع عن سطح الأرض. وكل ذلك دفعة واحدة. ولا يخفى عليه شئ...
والله يعرف أيضاً عالم السماء والملائكة، وطبيعة كل منهم...