"ياربنا يسوع المسيح كلمة الله إلهنا، بشفاعة القديسة مريم وجميع قديسيك.. احفظنا ولنبدأ بدءًا حسنًا... الليل عبر، نشكرك ونسألك أن تحفظنا في هذا اليوم بغير خطية وأنقذنا"
(من مقدمة صلاة باكر)
+ في مناسبة عيد ميلاد أي شخص يبحث جاهدًا عن كلمة منفعة يبدأ بها عامه الجديد، ونحن جميعنا على أبواب عام جديد، ومن ثَمّ نحتاج إلى نصيحة أو أمنية أو هدف نبدأ به عامنا الجديد، فهناك كثيرون رحلوا عنّا خلال العام السابق، منهم من غادره ناجحًا مقبولاً أمام الله، ومنهم من أُخِذ دون أن يكون مستعدًا، وأما نحن فإننا نشكر الله الذي أبقانا، ليس لبرٍّ فينا وإنما ليهبنا فرصة نتوب فيها ونعوّض ما فاتنا، ولذلك فنحن نشكر الله في هذا اليوم بصفة خاصة "لأنه أتى بنا إلى هذه الساعة". وقفتنا مع أنفسنا يمكن أن نعتبرها جلسة حساب أو عتاب أو عقاب.
+ تتعجّب أن البعض يأخذون إجازات لبعض المصالح أو للسفر أو الترفيه، أو لإنهاء بعض المهام، أو للطبيب، أو للبيع والشراء، ولكنهم لا يأخذون إجازة أبدًا يخصّصونها لمحاسبة أنفسهم! إن الشركات والمصانع تغلق أبوابها عدّة أيام لتقييم العام وعمل الميزانية. وإذا لم نكن قد عشنا عامًا مثاليًا، فعلى الأقل لنختمه ختامًا مثاليًا، ونحن نعرف أن كثيرين ممن عاشوا حياتهم بالتواني، ختموها بتوبة قوية، وحتى وإن لم تكن تلك "الوصفة" مضمونة إلاّ أنها نجحت كثيرًا، سواء مع اللص اليمين أو القديسة بائيسة أو الشهداء الذين اعترفوا بالمسيح في الدقائق الأخيرة من حياتهم على الأرض، وفازوا من ثَمّ بنصيب معه. المهم أن نشعر أننا في احتياج إلى تغيير مسار أو تصحيح مسار، فالتصحيح يحتاج إلى مجهود أقل لأنه مجرّد تعديل لإنحراف بسيط، ولكن التغيير يعني أن الشخص قد تحوّل إلى طريق آخر، ومن هنا فإنه يليق بنا في مثل هذه المناسبة تحديدًا مراجعة الاتجاهات وليس الخطايا فقط، لأن الأخيرة ينبغي أن تكون المحاسبة عليها على فترات متقاربة، كما أن الخطايا هي ناتج الاتجاهات (وتلك نكتشفها من خلال الخطايا المتكررة)، وبالتالي قد نكتشف أننا في احتياج الى تغيير أُسلوب الحياة، سواء من جهة طريقة التفكير أو علاقتنا بالآخرين. إن ميزة من ميزات بداية العام هي التشجيع على اتخاذ قرار نفكر فيه ونؤجّله، فإن بعضًا منّا يمنعهم الكبرياء من مواجهة عيوبهم وضرورة تعديل مساراتهم. ولا تَقُل: "هذه طباعي وهذه شخصيتي!" لأنك خُلِقت على صورة الله، وما يوجد بك من عيب هو دخيل عليك، فأنت بهذا تسعى لتعود إلى أصلك، إن آباءنا وأمهاتنا تسلّمونا من المعمودية على صورة المسيح، ومن ثَمّ عليهم أن يحافظوا على تلك الصورة، ونحن أيضًا في محاسبتنا لأنفسنا إنما نسعى لإعادتها إلى تلك الصورة. يستطيع كل إنسان أن يتغيّر وأن يبدأ من جديد مهما كان كبيرًا، ومهما تعتّق في الشر، فهناك من تعلّموا الرسم في شيخوختهم، وآخرون تعلموا الكتابة، وآخرون بعض المهارات المنزلية والإلكترونية. قال القديس الأنبا ارسانيوس: "يارب لا تخذلني فإني ما صنعتُ قدامك شيئًا من الخير، ولكن هبني من فضلك أن ابدأ في عمل الخير."
+ إن التأجيل يأتي من التكاسُل ومن التردُّد أو التشكُّك، أو وعدم الشعور بالخطورة، والتأجيل يتسبّب في النزيف، ويمكن لإنسان أن يموت بالتدريج وليس بالصدمة، كثيرون بسبب طول الزمان استكانوا مثل بيت مُهمَل ونظام بائد، ومادمنا نشفق على أنفسنا وندافع عنها ونقارن أنفسنا بالقتلة واللصوص والأشرار والزناة فكيف نتقدم وكيف نتغير بالأحرى؟ عليك ألاّ تركز على التوبة فقط وإنما الكمال أيضًا والقداسة، إن ترك الخطية هو مرحلة التوبة فقط، ويجب علينا ألا نتوقف عندها، فكم بالأحرى العودة للخطية مرة أخرى، وهل يليق بنا أن نقضي أيامنا في الصراع مع الخطية؟
+ هل يمكنك أن تتحلى بالشجاعة وتسأل البعض عن رأيهم فيك، وبماذا ينصحونك، وبماذا يعتبون عليك، وكن صادقًا في سؤالك وكن جادًا كذلك في مراجعة نفسك، فالناس عادة ما يجاملون، ويخشون رد الفعل عند الانتقاد، إننا نخسر كثيرًا حين لا نستفيد من انتقاد الآخرين. كذلك أرسل رسالة شكر لكل من صنع معك خيرًا خلال العام المنصرم، وأرسل رسالة غفران، بل وشكر أيضًا، لكل من أراد بك شرًا، بل ولكل من صنع بك بالفعل شرًا، والشكر الأعظم هو لله الذي لم يسمح بعد بأن تُطوى صفحات حياتنا.
+ إن الجلسة في نهاية العام ليست مجرد تدوين مذكرات، وإنما للتفتيش لعل العام المنتهي عامٌ منتصر في حياتك، وإن لم يكن هكذا فليكن العام الجديد، والذي سندخله بشهية، ليس وكأننا نولد من جديد، بل وكأننا قمنا من الموت، لنندم على ما فرط منا ونعوض ما فات. اشعر بأنك ستولد من جديد، وأن الله المتحنِّن قد اعطاك أن تبدأ من جديد، فليكن عامًا مباركًا، مثاليًا، مثمرا مُمجَّدًا للمسيح.
قال القديس باخوميوس: "لا تقضِ أيامَك بالتواني، كما مرَّ العامُ الماضي كذلك هذا العام. وكما مرَّ أمسُ كذلك اليوم. فإلى متى تكسل؟ استيقظ وأيقظ قلبَك قبل أن يوقِفَك مُكرهًا في يومِ الحكمِ لتعطي الجواب عن جميعِ ما صنعتَ."