الانسان الجاد، تظهر جديته فى سلوكه الروحى وعلاقته مع الله:
فالجدية فى السلوك الروحى، لا تقبل الاهمال والتراخى ولا التردد، ولا الرجوع احيانا الى الوراء. ولا تقبل التـأرجح بين طريقين: حياة الفضيلة وشهوة الخطية! أو ساعة للقلب، وساعة للرب!! كما لو كان القلب والرب فى طريقين متناقضين!!
الإنسان الجاد لا يتساهل فى حقوق الله مطلقا. انه يأخذ حق الله من نفسه هو أولا، قبل أن يسعى لأخذ حق الله من الآخرين.
وهو يسلك فى وصية الله بكل حزم وبكل دقة وبكل عمق.. وطاعته لله-تبارك اسمه- تكون بغير مناقشة وبغير مساومة..
والجدية فى الحياة الروحية لا تعنى التزمت اطلاقا!
فمن الممكن أن يسلك الانسان بطريقة روحية فى حياة الفضيلة، وفى نفس الوقت يكون بشوشا، ومرحا فى وقار..
أما التزمت فهو لون من التطرف. والتطرف ضد الروحانية والجدية..
****
والانسان الجاد الروحى، لا يقدم تبريرات للسقوط فى الخطية !!
فالفضيلة واجبة، مهما كانت الظروف الخارجية ضاغطة.. ومثال ذلك يوسف الصديق العفيف: كانت الظروف من الخارج تضغط عليه، ولكنه لم يخضع لها، ولم يتساهل مع الخطيئة، بحجة أنه وقتذاك كان عبدا، وتحت سلطان غيره، وبامكان سيدته أن تؤذيه..
ولكن الخير الذى كان فى قلبه، كان أقوى من الخطيئة التى تغريه، وكان أقوى من الضغوط الخارجية. وكان يوسف جادا فى حفظ نفسه طاهرا..
****
اذن يجب أن يكون الانسان جادا فى حياة التوبة:
فيقاوم الخطيئة بكل جدية، اذا ما حورب بها.
وان سقط ، يكون جادا فى توبته ولا يؤجلها. وان تاب وترك الخطيئة، يتركها بجدية، ولا يعود اليها مرة اخرى. وليضع امامه قول ذلك الأب الروحى" لا أتذكر أن الشياطين قد أطغونى مرتين فى خطية واحدة" .
فقد يكون السقوط عن جهل او ضعف. ولكن متى أدرك التائب الجاد ذلك، يحرص الا يقع فى نفس الخطأمرة اخرى. بل تكون التوبة نقطة تحول كامل فى سلوكه بغير عودة فهو يغلق ابواب فكره وقلبه امام الخطية غلقا تاما، بعزيمة قوية واصرار شديد على حياة البر، ويكون جادا فى تداريبه الروحية لا يكسرها مهما كانت الاسباب، ويحفظ تعهداته امام الله فى جدية.
****
على أن الشيطان أو أعوانه، الذين يحاربون الأنسان فى جدية الحياة الروحية، قد يغرونه بما يسمونه المرونة فى سلوكه!!
لكن المرونة لا تكون ابدا بالخروج عن القيم الروحية. انما المرونة بمعناها الحقيقى تكون فى داخل القيم وليس خارجها..
وليست المرونة مطلقا فى عدم الالتزام، بل يكون الأنسان مرنا مع الألتزام بحياة الفضيلة والبر.
والجدية تلزم الانسان ايضا على حياة التدقيق
****
من مظاهر الجدية, التدقيق فى كل شئ
والإنسان الجاد فى حياته، يحرص أن يكون مدققا فى كل تصرفاته، وفى كل كلمة يقولها، وكل فكر. ويكون مدققا من جهة حواسه ومشاعره، ومن جهة مواعيده ووقته. وبالاختصار فى كل علاقاته مع الله والناس، ومع نفسه. ويتدرب على ذلك، حتى يصبح التدقيق جزءا من طبعه..