في ذات الفعل...
(يوحنا 8: 1-11)
كلمات اكثر من رائعة لنيافة الأنبا مكاريوس
هذه القصة من أكثر القصص التي أتحفنا بها القديس يوحنا، لتبثّ الرجاء في كل شخص زنا بأي مستوى وفي أي مرحلة من حياته، سواء عُرِفت خطيته أولم تُعرَف، وكثيرون يتمنّون أن يصل الأمر إلى الله وستُحَل المشكلة، وهذا هوالفرق بين الناس والله؛ لقد فسّر البعض معنى أن «الحرف يقتل» بأن الناموس يقضي بقتلها بحجر...
+ + +
كان كل واحد قد ذهب إلي بيته، أمّا السيد المسيح فقد مضى كعادته إلى الجبل، وفي الصباح الباكر حضر يسوع إلى الهيكل، وجاء إليه جميع الشعب فجلس يعلمهم، وذلك في بعض الساحات التي كان مسموحًا فيها أن يجتمع المعلم مع تلاميذه، بدليل أن الفريسيين أدخلوا المرأة إلى هناك مع كونها خاطئة...
وكان بالأمس يعلم في نفس المكان وكان عيد المظال، وكانت الساحة اسمها "الخزانة" أو "ساحة النساء"، وملحق بها "حجرة السكون" التي يجمعون فيها التبرعات، وفيها الشمعدانات الأربعة التي توقد في عيد المظال. كما كان هذا المكان مواجهًا لمجلس السنهدريم، ولذلك فإنه أثناء المحاكمة قال لهم: كل يوم كنت اعلم في الهيكل ولم اقل شيء في الخفاء (راجع متى 26: 55؛ مرقس 14: 49).
قدموا إليه امرأه أُمسِكت في ذات الفعل، والواضح أنهم أرادوا لا أن ينتصروا للناموس، ولكن أن ينصبوا له فخًا مزدوجًا... وكانت العادة أن تُرفَع القضايا الكبيرة إلى المعلم؛ والذين كانوا يشتمونه بالأمس يقولون له الآن: يا معلم!!
الفخ الأول: هو إن سامحها يكسر بذلك الناموس ويشجّع الانحراف؛ وأما الفخ الثاني: إن أمر بقتلها أظهروا قسوته للكل، وتعدّيه على قيصر «فقالَ لهُمْ بيلاطُسُ: "خُذوهُ أنتُمْ واحكُموا علَيهِ حَسَبَ ناموسِكُمْ". فقالَ لهُ اليَهودُ: "لا يَجوزُ لنا أنْ نَقتُلَ أحَدًا"» (يوحنا 18: 31).
+ + +
قالوا له: هذه المرأة أُمسِكت وهي تزني في ذات الفعل (حالة تلبّس). ونحن نتعجب: أين الحياء؟!.. مثلما فعل الكثير من القديسين عندما تواروا أمام الشر، والبعض أدار ظهره، والبعض اعتذر ومضي... منعهم الحياء من التحدّث في مثل تلك الأمور... مثلما فعل أبناء نوح، والقديس مقار الكبير عندما جلس على الماجور ليستر كل من الخاطئ والخاطئة... وكذلك بعض القديسين مثل الأنبا أبرآم والأنبا صرابامون أبو طرحة اللذين لم يكونا يعرفان الفرق بين الفتاة والزوجة، وغيرهم يستحون من معرفة بعض الأمور ولا يريدون الإسهاب فيها، فيقاطع المتكلم: فهمت ولا داعي للتفاصيل...
ونحن أيضا نرجو ألا تسهبوا في التفاصيل عندما تعرض مشكلة من هذا النوع، بل يمكن أن تقول: "لا أريد أن ألوّث ذهنك.."، واكتفِ بالقليل. يقولون إن من أعظم الفضائل ألّا تقول كلمتين إن كان الإمر يكفيه كلمة.
شكّك البعض في القصة وأصالتها لعدم وجودها في بعض المخطوطات، ولكن هذا لا ينفي أصالتها، فقد ذكرتها الدسقولية وعلّقت بأنه يجب على الأسقف أن يكون رحيمًا؛ وذكرها يوسابيوس نقلاً عن بابياس الذي سمعها من الرسل أنفسهم. ويفسّر القديس أغسطينوس اختفائها من بعض المخطوطات لئلا يجعل منها البعض مبرّرًا للزنى.
+ + +
لم يكن قصد الفريسيين خيرًا بل شرًّا، فهم يسعون للقضاء لا للرحمة، للهلاك لا للخلاص، متعطّشون للدماء لا للستر. هم أدانوها بسبب خطيتها الظاهرة، ولم يخجلوا هم من خطاياهم التي حرصوا على إخفائها. ولكن الله هنا يفضحهم... لقد جاءوا ليصطادوه، لا ليستفتوه... وإن كانوا يستترون خلف الناموس: «وموسَى في النّاموسِ أوصانا أنَّ مِثلَ هذِهِ تُرجَمُ. فماذا تقولُ أنتَ؟» (يوحنا 8: 5).
هنا سيقوم السيد المسيح بدور القاضي والمحامي معًا، لُيظهر عطف الله أمام قساوة الناس، ليس كمحامٍ فقط ولكن كمخلص وفادٍ سيموت عنها، لأن نفسًا بنفس!!!
ولكن إن كانوا يتمسكون حقًا بأحكام الناموس، فإذا كانت المرأة قد أُمسِكت في ذات الفعل فأين الرجل؟ ولماذا التفرقة والناموس يأمر بقتل الاثنين!! «وإذا زَنَى رَجُلٌ مع امرأةٍ، فإذا زَنَى مع امرأةِ قريبِهِ، فإنَّهُ يُقتَلُ الزّاني والزّانيَةُ» (لاويين 20: 10).
هذا يفجّر أيضًا قضية هامة وهي التفريق بين الرجل والمرأة في الخطايا والأخطاء، فلماذا يغفر المجتمع للرجل ويلتمس له العذر؟ ولماذا لا تخاف الأم على ابنها مثلما تخاف على ابنتها؟ المهم الآن هو أن ندرك أن الله لا يفرق بين خطية هذا وتلك، بل يتحدث الكتاب عن النفس بشكل عام.
«إذا وُجِدَ رَجُلٌ مُضطَجِعًا مع امرأةٍ زَوْجَةِ بَعلٍ، يُقتَلُ الِاثنانِ: الرَّجُلُ المُضطَجِعُ مع المَرأةِ، والمَرأةُ. فتنزِعُ الشَّرَّ مِنْ إسرائيلَ.
«إذا كانتْ فتاةٌ عَذراءُ مَخطوبَةً لرَجُلٍ، فوَجَدَها رَجُلٌ في المدينةِ واضطَجَعَ معها، فأخرِجوهُما كِلَيهِما إلَى بابِ تِلكَ المدينةِ وارجُموهُما بالحِجارَةِ حتَّى يَموتا. الفَتاةُ مِنْ أجلِ أنَّها لَمْ تصرُخْ في المدينةِ، والرَّجُلُ مِنْ أجلِ أنَّهُ أذَلَّ امرأةَ صاحِبِهِ. فتنزِعُ الشَّرَّ مِنْ وسَطِكَ. ولكن إنْ وجَدَ الرَّجُلُ الفَتاةَ المَخطوبَةَ في الحَقلِ وأمسَكَها الرَّجُلُ واضطَجَعَ معها، يَموتُ الرَّجُلُ الّذي اضطَجَعَ معها وحدَهُ. وأمّا الفَتاةُ فلا تفعَلْ بها شَيئًا. ليس علَى الفَتاةِ خَطيَّةٌ للموتِ، بل كما يَقومُ رَجُلٌ علَى صاحِبِهِ ويَقتُلُهُ قَتلًا. هكذا هذا الأمرُ. إنَّهُ في الحَقلِ وجَدَها، فصَرَخَتِ الفَتاةُ المَخطوبَةُ فلَمْ يَكُنْ مَنْ يُخَلِّصُها.
«إذا وجَدَ رَجُلٌ فتاةً عَذراءَ غَيرَ مَخطوبَةٍ، فأمسَكَها واضطَجَعَ معها، فوُجِدا. يُعطي الرَّجُلُ الّذي اضطَجَعَ معها لأبي الفَتاةِ خَمسينَ مِنَ الفِضَّةِ، وتَكونُ هي لهُ زَوْجَةً مِنْ أجلِ أنَّهُ قد أذَلَّها. لا يَقدِرُ أنْ يُطَلِّقَها كُلَّ أيّامِهِ.
«لا يتَّخِذْ رَجُلٌ امرأةَ أبيهِ، ولا يَكشِفْ ذَيلَ أبيهِ.»
(تثنية 22: 22-30).
+ + + ++ + ++ + ++ + ++ + +
،، البقية غداً ،، بمشيئة الرب