الحسد بمعناه اللغوي هو تمنِّي زوال النعمة أو الخير عن المحسود، وتحول هذه النعمة والخير إلى الحاسد. وبهذا المعنى يكون الحسد خطية مزدوجة. فتمني زوال النعمة عن المحسود خطية لأن ذلك ضد المحبة، والمحبة لا تفرح بالإثم بل تفرح بالحق. وسليمان الحكيم يقول: " لا تفرح بسقطة عدوك، ولا يبتهج قلبك إذا عثر " فكم بالأكثر إن كان الشخص الذي يتمنى له الحاسد السقوط ليس عدواً، ولم يفعل به شراً!! كذلك تمنى تحول خيره إلى الحاسد يحمل خطية أخرى، إذ هو شهوة خاطئة.
«« هناك نوع آخر من الحسد، يُحذِّر منه الحكيم بقوله: " لا تحسد أهل الشر ولا تشته أن تكون معهم ". وهنا يرتبط الحسد بشهوة الخطية. فيحسد الذين يرتكبونها حين لا يكون بإمكانه ذلك. وهذا يدل على عدم وجود نقاوة في القلب، وعلى أن القلب ليست فيه محبة اللَّه ولا محبة الخير.
«« والحسد عموماً هو ضد المحبة. فالذي يحب إنساناً لا يمكن أن يحسده. وأنت إن أحببت إنساناً، تتمنى أن تزيد نعمة اللَّه عليه، لا أن تزول النعمة منه. وإن أحببت إنساناً، فإنك تُفضِّله على نفسك، بل تبذل نفسك من أجله. وهكذا لا يمكن أن تشته أن يتحول الخير منه إليك. فالمحبة تبني ولا تهدم.
وهكذا فإن الأم التي تحب ابنتها، لا يمكن أن تحسدها على زواج موفق. بل تسعد بسعادتها وتكون في خدمتها في يوم زواجها. تبذل جهدها أن تكون ابنتها في أجمل صورة وأجمل زينة. وكذلك الأب يفرح بنجاح ابنه. ولا يمكن أن يحسده على نجاحه ولا على تفوقه، ولا على نواله درجة أعلى من درجة هذا الأب.
«« أمَّا من جهة الغيرة، فليست كل غيرة لوناً من الحسد الخاطئ. وليست كل غيرة ضد المحبة. لأنها مغبوطة هى الغيرة في الحسنى. إنها الغيرة التي لا تحسد، وإنما تقلد، وتتحمس للخير فنحن نسمع عن فضائل الأبرار، سواء الذين تركوا عالمنا الحاضر، أو الذين مازالوا أحياء. فنغار منهم غيرة تجعلنا نتمثل بأفعالهم، لا أن نحسدهم أو نتمنى زوال النعمة منهم إلينا!! بل نفرح كلما نعرف جديداً من فضائلهم.
إنَّ الذي يحب الفضيلة، لا يحسد الفضلاء. والذي يحب الفضلاء، لا يحسدهم بل يقلدهم. إن القديسين ما كانوا يحسدون بعضهم بعضاً في حياة الروح. بل كان ارتفاع الواحد منهم في الطريق الروحي، يُشجِّع الآخرين ويقويهم، فيمجدون اللَّه بسببه. وتملكهم الغيرة المقدسة، فيفعلون مثلما يفعل. ويطلبون صلواته عنهم وبركته لهم.
«« هنا ونسأل سؤالاً هاماً وهو: هل الحسد يضر؟ نقول أولاً إن الحسد يضر الحاسد وليس المحسود. فالحاسد تتعبه الغيرة، ويتعبه الشعور بالنقص. يتعبه منظر المحسود في مجد. تتعبه مشاعره الخاطئة. وكما قال الشاعر:
اصبر على كيد الحسود فإن صبرك قاتله
فالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله
،، البقية غداً ،، بمشيئة الرب