وكذلك فإن الحاسد يتعبه تفكيره وسعيه في الأضرار بالمحسود. وقد لا يفلح في ذلك، ويزداد المحسود ارتفاعاً، فيزداد هو غيظاً ... إن القلب الخالى من المحبة لابد أن يتعب. وقد يسعى الحاسد إلى التحرش بالمحسود واهانته. فيقابله المحسود برقة ولطف، فتتعبه رقته ولطفه. ويتعبه فشله فى إثارته، وتزداد فيه النار اشتعالاً.
«« نقطة أخرى وهى أن الحسد مع كونه فى حد ذاته لا يضر، ولكن المؤامرات التى يدبرها الحاسدون قد تضر أحياناً. ولا يكون الضرر عبارة "ضربة عين" كما يظن البعض! وإنما هو متاعب نتيجة لمؤامرات الحاسدين. إن الحسد هو مشاعر قلب خاطئ، وليس ضربة عين. ونحن حينما نطلب من الله فى صلواتنا أن ينجينا الله من الحسد، لا نقصد أبداً أن ينجينا من ضربة عين، إنما من مؤامرات الحاسدين. كما نطلب من الله أيضاً أن يُبعد عن قلوبنا حسدنا لغيرنا.
إن كثيراً من الناس يحاولون إخفاء كل خير يأتيهم خوفاً من حسد الناس لهم! ولكنه خوف مبنى على جهل، ظانين أن معرفة الحاسدين بخيرهم تسبب لهم ضرراً! أو ألا ضربة عين تصيبهم، فتفقدهم ما هم فيه من خير!
«« إن ضربة العين لو كانت حقيقية، إذن لهلك كل أصحاب المواهب والمناصب والتفوق... الحاصلون على جائزة نوبل كل عام، أليس لهم حاسدون؟ وهؤلاء الحاسدون أليست لهم عيون؟... فهل نتيجة حسدهم يفقد العالم أعظم علمائه وأدبائه وأبطال السلام فيه!! وأيضاً أبطال الرياضة أصحاب الكئوس الذهبية، والميداليات، والمتفوقون فى الفن والموسيقى، وملكات الجمال فى العالم... أليس لكل هؤلاء حاسدون، وللحاسدين عيون... والذين ينجحون فى الانتخابات أو الذين يتولون مناصب ورياسات على كل المستويات، وفى كل البلاد أليس لهم حاسدون. وأوائل الثانوية العامة، وقد يكون الأول متفوقاً بنصف درجة فقط عن الذى يليه، أليس لكل أولئك حاسدون ولهم عيون "تفلق الحجر"؟!!
«« ننتقل إلى نقطة أخرى وهى حسد الشياطين. لاشك أن الشيطان يحسد الإنسان البار على بره وفضائله ونقاوة قلبه، بينما الشيطان قد فقد تلك النقاوة وكل ما يتعلق بالبر، ويحسده أيضاً على علاقته الطيبة مع اللَّه ــ تبارك اسمه ــ بينما هو قد خسر تلك العلاقة، ويحسده على ما يتمتع به من نعمة ومن بركة بينما الشيطان محروم من كل هذا. ويحسده على ما ينتظره فى الأبدية من نعيم وفرح بينما الشيطان يخاف هذه الأبدية.
«« لذلك فإن الشيطان إن وجد الإنسان فى طريقه لعمل فضيلة معينة، يحاول أن يبعده عن عملها بكافة الطرق. وإن وجد الإنسان باراً، يحاول أن يسقطه من بره. ولكن الله لا يسمح له بكل ذلك، ويرسل حفظه لهذا الإنسان.