رتبة المعترفين كلمات رائعة لنيافة الانبا مكاريوس

«فَلْنَمْتَحِنْهُ بِالْشَتْمِ وَالْعذَابِ حَتَّى نَعْلَمَ حِلْمَهُ وَنَخْتَبِرَ صَبْرَهُ» (الحكمة 2: 19)

كلمة معترف في اليونانية όμολογετής وبالإنجليزية Confessor؛ والمعترفون هم الذين تحمّلوا الآلام والعذابات والحبس والقيود بسبب تمسُّكهم بإيمانهم بالمسيح، ولكن عذاباتهم لم تفضِ إلى الموت، وتضعهم الكنيسة بعد الشهداء في الترتيب مباشرة، وقبل العُبّاد والنُسّاك ولُبّاس الصليب، وفي الكنيسة الأولى كان كل من أُهين من أجل المسيح، واُضطُهِد كثيرًا، حتى وإن وقع في الحبس وتحت طائلة العذاب، يُعتبَر من المعترفين أيضًا، وإن كان في درجة أقل، وكان للمعترفين كرامة كبيرة في الكنيسة.

ويرد في الدسقولية: ".. إذا قُيِّدَ معترف من أجل اسم الرب، لا توضَع عليه اليد للشمَّاسيَّة، أو للقسِّيسيَّة. لأنه نال كرامة القسِّيسيَّة باعتراف، لكن إذا أُقيمَ أسقفًا، توضَع عليه اليد، وإن كان معترفًا لم يُدخَل به أمام السلطة، ولا عوقِب بقيد أو بسجن، ولا أُدينَ بأي عقوبة، بل اُزدُرِيَ به فقط، مصادفةً، من أجل اسم ربنا، وعوقِب في البيت [اُزدُري من عائلته التي ما تزال وثنية] فبرغم أنه قد اعترف بإيمانه، توضَع عليه اليد في كل رتبة يستحقها".

ويرد في القانون السادس من قوانين هيبوليتس (القرن السادس) شرح أوضح لهذه الرتبة، فيقول: "إذا استحق واحد أن يقف في محفل لأجل الأمانة [الإيمان]، ويحتمل العقوبة لأجل المسيح، وبعد هذا يتخلَّص بنعمة المراحم، فهو بذلك قد استحق رتبة القسيسية من جهة الله. لا يقسمه الأسقف، لأن اعترافه هو قِسمته. أمّا إذا صُيِّرَ أسقفًا، فليُقسَم. وإذا اعترف واحد ولم يؤلَّم بعقوبة، فقد استحق القسيسية؛ ولكنه يُقسم من جهة الأسقف. وإن كان عبدٌ لواحدٍ، واحتمل عقوبة لأجل المسيح، فهذا هو قسِّيس الرعيَّة، وإن لم ينل شكل القسيسية، ولكنه نال روح القسيسية، ليس بصلاة الأسقف عليه بتلاوة، بل من جهة الروح القدس".

ونحن نتحدث كثيرًا عن الشهداء والقديسين ولكننا نادرًا ما نفعل مع المعترفين، الاسم الوحيد المقترن بالاعتراف هو القديس الأنبا صموئيل المعترف، ولكن عدد المعترفين يفوق عدد الشهداء! فهم الذين عُذِّبوا بطرق كثيرة جسدية ونفسية ولكن عذاباتهم لم تصل بهم إلى الموت ليُحسَبوا بذلك ضمن الشهداء، والمعترف بالتالي في ضمير الكنيسة هو الشهيد الحيّ، لأنه لا دخل له في أنه لم يمت، وكثيرون منهم تمنّوا لو قبلوا الموت لأجل المسيح، ولكنهم لا يمكن أن يلقوا بأنفسهم إلى الموت وإلاّ فإنهم لن يُحسَبوا شهداء؛ هكذا الكنيسة أكّدت أن الذي يندفع إلى الموت دون القبض عليه ومحاكمته وإصدار قرار قتله في حالة إصراره لن يُحسَب ضمن قوائم الشهداء.

ولا يُقصَد بالمعترف ذلك الشخص الذي يقع تحت طائلة التعذيب ليعترف بما فعله وما لم يفعله كما يحدث في تحقيقات البوليس ويُسمّى الضغط الجسدي، كلاّ، وإنما الذين عُذِّبوا ولم يتراجعوا عن اعترافهم بالمسيح، وإنما عُذِّبوا ليتراجعوا عن اعترافهم بالمسيح، عنهم يقول القديس بولس: «.. وآخَرونَ عُذِّبوا ولَمْ يَقبَلوا النَّجاةَ لكَيْ يَنالوا قيامَةً أفضَلَ» (عبرانيين 11: 35)، أي أنهم كانوا يساومونهم على حياتهم بأن ينجوا من الموت لقاء إنكارهم لله، وكذلك بإغرائهم بالمال أو المناصب الرفيعة في الدولة. جدير بالذكر أن أكثر الشهداء مرّوا برتبة المعترفين لأنهم عُذِّبوا كثيرًا قبل أن يحُسَم الأمر وتُقطَع رؤوسهم.

وقد اشتمل التعذيب على التهديد والسجن والضرب والإهانة أمام الاسرة أو إهانة الاسرة قدام السجين، وشمل أيضًا إلحاق الإهانات بالسيدات والعذارى واللائي كُنّ يفضّلن الموت على إفساد عفتهن، وهو الأمر الذي حدث كثيرًا على مدار تاريخ الكنيسة.

وقد أثّر المعترفون كثيرًا في الوثنيين فآمنوا بالمسيح، وفي المسيحيين فثبتوا في الإيمان أكثر، قيل عن القديس بيمن المعترف أنه أُلقِي على سرير مُحمّى بالنار، وإذ لم تصبه النار أخذ أحد الجند سيخًا مُحمّى بالنار وأدخله في بطنه، وإذ عاتبه القديس على ذلك انفتحت الأرض وابتلعته، فآمن كثيرون.

كان من الممكن أن يُقتَل المؤمن سريعًا دون أن تكون هناك فرصة للمناقشة أو الشهادة للمسيح أمام الجمهور، لا سيما الذين قُتِلوا كجماعات نتيجة قرار عصبي من الحاكم. كان احتمالهم للتعذيب من جهة، وحواراتهم اللاهوتية وشرحهم سبب تمسكهم بالمسيح من جهة أخرى، سببًا في إيمان كثيرين سواء من الحاضرين المشهد أو الآخرين الذين سمعوا وقرأوا لاحقًا ما يُسمَى اصطلاحًا: "أعمال الشهداء".

كانت هناك طغمة للمعترفين وكان لهم قائد أو رئيس مدبِّر أحيانًا، مثل "القس مكسيموس المعترف" وهو كاهن روماني (سنة 250م) وقد تولّى قيادة جماعة المعترفين بعد وفاة القديس مويسيس (القديس موسى المعترف(.

وكان المؤمنون بل والملوك يقبّلون جراحات المعترفين ويتباركون منها، وجاء عن الملك قسطنطين أنه طلب إلى القديس أبانوب المعترف وبعض المعترفين أن يخلعوا ثيابهم ليُلبِسهم ثيابًا جديدة ثمينة حيث كانوا قادمين من فترة تعذيب في السجون، فلم يقبلوا. فتبارك منهم وقبَّل جراحاتهم وأكرمهم.

هناك أربع شرائح في هذا الإطار: 1- معترفون اُضطُهِدوا وتألّموا من ذويهم أو ممن يحيون معهم مثل العبيد في قصور السادة، 2- معترفون عُذِّبوا عذابات أليمة لفترة طويلة قد تصل إلى سنوات في السجون والقيود، ولكن ذلك لم يفضِ إلى موتهم، 3- شهداء ربما فقدوا حياتهم الجسدية بضربة سيف ففارقوا الحياة في دقائق، 4- شهداء مرّوا بمراحل عذاب شديدة وربما طويلة أيضًا قبل أن يُقتلوا.

« جاهِدْ جِهادَ الإيمانِ الحَسَنَ، وأمسِكْ بالحياةِ الأبديَّةِ الّتي إليها دُعيتَ أيضًا،

واعتَرَفتَ الِاعتِرافَ الحَسَنَ أمامَ شُهودٍ كثيرينَ»

(تيموثاوس الأولى 6: 12)

» اللجاجة في الصلاة*كلمات رائعة لنيافة الانبا مكاريوس
» سر الفرح في هذا العالم*كلمات رائعة لنيافة الانبا مكاريوس
» صلاة من جوف الحوت.كلمات رائعة لنيافة الانبا مكاريوس
» كن صاحب مبدأ كلمات رائعة لنيافة الانبا مكاريوس
» لماذا أنقذ الله البعض دون الآخر؟ كلمات رائعة لنيافة الانبا مكاريوس