موضوع: ابونا فيلمون المقاري الأربعاء نوفمبر 18, 2015 8:40 pm
البداية في شتاء عام ١٩٥٨ م في زيارة لأديرة وادي النطرون برعاية أستاذنا القس شنودة السرياني (المتنيح الأنبا يوأنس أسقف الغربية)، وكانت في أجازة عيدي الميلاد الغطاس. واستقر بنا المقام في دير السريان، ثم ذهبنا لزيارة دير الأنبا مقار ... كان حقًا في حاجة إلي إعادة إعمار تام، وأرسل الله الأب متى المسكين في الوقت المناسب. قضينا في الدير يومين في شتاءٍ قا ٍ س، وصلَّى أبونا شنودة السرياني القداس ، وجلسنا بعد القداس في المضيفة لكي نأكل قبل سفرنا إلي دير السريان. سمعت صوتًا عاليًا ينتهر شخصًا آخرًا، وكان صوت الربيته، والآخر راهب طويل القامة نحيف يرتعش من البرد، وكان الرئيس يقول له: "أنت حابس نفسك ولم نراك في الكنيسة ولا تتناول معنا. أنت حارم نفسك من المسيح يا أبونا فليمون". وأجاب أبونا فليمون وقال: "اللي عنده إيمان بالمسيح مفيش حاجة تحرمه من المسيح إلاَّ عدم الإيمان". ولم تُعجب كلمات أبونا فليمون ربيتة الدير، فقال له: "أنت متناولتش ليك شهرين، ده صح؟ وده إيمان؟". فقال أبونا فليمون: "أنا أتناولت قبل خلق العالم". وهنا قفز الربيته من الغضب، وقال: "أنت أتجننت. لا بتاكل ولا بتصلِّي، أنا .( ها شوف حَد ياخدك مستشفى ﺑﻬمان"( ١ وقال الراهب (أبونا فليمون): "إن كان كلامي زعَّلك؟ أخطأت سامحني. أنا ماشي رايح القلاية". وانصرف فورًا. وغاصت كلمات أبونا فليمون في قلبي. وعندما سألت أستاذنا القس شنودة السرياني، قال لي: "أبونا فليمون شخص غريب الأطوار، رفض النزول إلي القاهرة لأجراء عملية بواسير وشفاه ال ٤٩ شيخًا. وفي إحدى المرات كان يصلِّى فأمسك بعقرب كبير عند المنجلية ورماه خارج الكنيسة، ولكن أحدًا لا يعرف عنه شيئًا". عندما عدت إلي القاهرة ذهبت إلي كنيسة مار مينا، وعندما أخبرت أبونا مينا المتوحِّد ما دار في هذا اللقاء، ابتسم وقال ّ لي: "هو قال إنه اتناول قبل خلق العالم؟" فقلت: نعم. فقال: عال، ده أخد الابتدائية. ونظر إ ّ لي وابتسم، وقال: فهمت؟ فقلت له: لا. العشاء الرباني أسَّسَه الرب في يوم خميس العهد، وليس قبل خلق العالم. وضحك أبونا مينا المتوحد وقال: صحيح!. تعال أورِّيك حاجة تساعدك، ووضع فيشة الكهرباء وقال: نوَّر النور. ثم قال: فهمت؟ فقلت: لا. فقال لي: يا ابني الكهرباء موجودة دايمًا، والأبدية سابقة على الزمان، وإرادة الابن الوحيد في أن يعطي جسده ودمه سابقة على خميس العهد، ولم يكن خميس العهد إلاَّ الإعلان في الزمان عن الإرادة الأزلية. عمومًا أبونا فليمون هيفهمك. سلِّم لي عليه لمَّا تشوفه. ومرَّت أيام، وجاء زوارٌ من الخارج لزيارة الأديرة. وذهبت معهم إلي دير الأنبا مقار. وعندما دخلت الدير كان أبونا فليمون المقاري يقف أمام كنيسة الأنبا مقار، وابتسم وقال لي: عاوز تعرف جواب سؤالك؟! عندما جلسنا في القلاية قال لي: ماذا قال لك أبونا البطريرك (كان أبونا مينا قد رُسِمَ بطريركًا) فقلت له: "قال إنك أخذت الابتدائية". فقال (أبونا فليمون): دي شهادة حلوة، ثم أمسك حفنة من الرمال الناعم ووضعها في يدي وقال: "مين شايل الرمل؟" هتقول أيديك، ولكن مين شايل العالم كله؟ يقول الرسول عن الرب يسوع إنه "حامل كل الأشياء بكلمة قدرته " (عب
٣:١ ). يعنى فيه فرق بين رؤية الإيمان التي تري أن المسيح يحمل كل شيء بقوته، وبين رؤية الإنسان الطبيعي الذي يقول عنه الرسول إن "عنده جهالة". قلت: لكن كيف تناولت قبل خلق العالم؟ وأنت لم يكن لك وجود بالمرة؟ وضحك، وقال: ماذا يقول الرسول بولس في الإصحاح الأول من رسالته إلي أفسس؟ (هنا اكتشفت أنه يحفظ العهد الجديد كله، وقد تأكدت من هذا بعد عدة لقاءات). ولم أتمكن من تلاوة الإصحاح الأول من الذاكرة. أمَّا هو فقد قرأه من قلبه كما لو كان يقرأ من كتاب، ثم توقف عند عبارات الرسول "اختارنا فيه قبل تأسيس ٤) ولم يكن لنا وجود، ولكن كنَّا مباركين فيه بل، "سبق فعيننا : العالم" (أف ١ للتبني". وقال: الوعي ليس أساس العلاقة مع الله، بل المسيح هو الأساس ، وهو "صخر كل الدهور". أنا وأنت مثل الجنين في بطن الأزل، أي الله نفسه مع ابنه الوحيد، ولكن يبدأ الوعي بالولادة في الزمان.