عيد الغطاس له أسماء كثيرة؛ نسميه عيد الغطاس وهذه تسمية قبطية مصرية خالصة لأن المعمودية في كنيستنا تتم بالغطاس، ولكن له أسماء أخرى: عيد العماد- عيد الأنوار- عيد الظهور الإلهي- عيد الشموع (لأن الُمعمَّدين كانوا يمسكون شموعاً ويدورون في الكنيسة).
كما أن عيد الغطاس يتوسط سبعة أعياد سيديه نسميها أعياد التجسد الإلهي: (1) عيد البشارة (2) الميلاد (3) الختان (4) الغطاس، وبعدهم ثلاثة أعياد أخرى: عيد عُرّس قانا الجليل، وعيد دخول المسيح الهيكل (8 أمشير) وأخيراً عيد دخول المسيح أرض مصر (24 بشنس).
هناك ثلاث مشاهد نراها في معمودية المسيح:
· مشهد قبل المعمودية يقدم لنا المسيح المخلِّص.
· ومشهد المعمودية ذاته يقدم لنا المسيح المُفرِّح.
· ومشهد بعد المعمودية يقدم لنا المسيح المُعَلِّمْ.
المشهد الاول:
قبل المعمودية عندما شاهد القديس يوحنا المعمدان الرب يسوع المسيح، أشار إليه قائلاً: " هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم ". " حمل " يعني ذبيحة، " الذي يرفع " خطية العالم كله، كلمة يرفع هنا يعني الصليب، كان الإنسان يا أخوتي مَنْ يرفع خطيته، فالكارثة الوحيدة في حياة الإنسانية هي الخطية، هكذا يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: " الكارثة الوحيدة في العالم هي الخطية، وهي التي تمنع الإنسان من السماء ". في المعمودية وُلِدتَ ولادة جديدة من السماء، وصار لك مكاناً في شخص المسيح المخلص، حافظ على مكانك في السماء، فقد نلتَ هذه المعمودية التي تفتح لك باب السماء، ومن هنا تأتي أهمية المعمودية للإنسان.
ربنا يسوع المسيح قابل في ذات يوم ليلاً نيقوديموس، وقال له: " إن لَم يُولَد الإنسان من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت السموات "، الماء عنصر من الأرض والروح من السماء، ويشترك الاثنان في ولادة الإنسان مرة أخرى، نسمّيها الولادة الجديدة. لكل إنسان أب وأم، يُولَد على الأرض هذه الولادة الأرضية، ولكن الإنسان يحتاج إلى الولادة السماوية، فيحتاج الى الماء والروح الذي هو سر المعمودية.
المشهد الثاني:
مشهد يوم المعمودية ذاته، وتخيلوا معي جموعاً كثيرة تقف على شاطئ نهر الأردن تطلب الاغتسال بالماء بحسب الطقس الذي يصنعه يوحنا المعمدان، في وسط هذه المجموع الكثيرة يظهر شخص السيد المسيح ويأتي إليه بكل لطف وبكل رقة ويقول له: اسمح الآن. صورة رائعة من صور الاتضاع نتعلمها من القديس يوحنا المعمدان الذي قال: " إنني لست مستحقاً ان أنحني وأحل سيور حذائه "، وقال أيضاً: " ينبغي أن ذاك يزيد وإنني أنا أنقص "، وفي ذات الوقت نتعلمها من شخص السيد المسيح وهو يتقدم إلى معمودية يوحنا وبخاطبه برقة ولطف.
مشهد المعمودية يكشف لنا الإيمان الذي نحيا فيه، إيماننا بالثالوث القدوس: الابن في الماء، والروح القدس يظهر في صورة حمامة ترفرف، أمّا الصوت السماوي فيعبِّر عن الآب السماوي.
" هذا هو ابني الحبيب الذي به سُررت "، توقّفوا عند هاتين الكلمتين: ابني الحبيب- به سررت، المسيح الُمفرِح، تماماً كما ما حدث في وقت الميلاد الملائكة تنشد وتقول: " المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة ". المسيح جاء لكي ما يُفَرّح العالم، الإنسان وُجِد على هذه الأرض يعيش ويتعب ويأكل ويمارس حياته ولكن الإنسان يحتاج إلى ما يسعده. أنت تجتهد في عملك لكي ما تكون سعيداً، والطالب يجتهد في دراسته لكي يكون سعيداً وناجحاً، وهكذا كل إنسان. ولكن كثيراً ما تغيب هذه السعادة بسبب خطية الإنسان، فيأتي السيد المسيح لكي ما يفرحك، يُفَرِح قلبك. والفرح يا إخوتي يتحول إلى حالة من حالات الرضا عن حياة الإنسان، الرضا ليس بكثرة المال ولا كثرة الطعام، الرضا حالة نفسية داخلية، يجد الإنسان نفسه في علاقة مع إلهه فيطرد الخطية فتصير له هذه الحالة، حالة الرضا المريحة.
هذه هي رسالة عيد الغطاس: " أنت تنال المعمودية لكيما تفرح في طريقك "، فالمسيح الذي تتبعه وتُسكِنه في قلبك إنما من أجل أن تكون إنساناً فرحاً.
المشهد الثالث:
هو مشهد بعد المعمودية، هو مشهد التجلي، وهو أيضاً مشهد سماوي. في التجلي وُجد موسي وإيليا والتلاميذ بطرس ويعقوب ويوحنا، يسمعون صوتاً جميلاً يقول: " هذا هو ابنى الحبيب له اسمعوا "، أول مشهد: المسيح يخلصنا، والمشهد الثاني المسيح يفرحنا نتيجة الخلاص، المشهد الثالث المسيح يعلمنا، يعلمنا الوصية. مشكلة إنسان اليوم إنه لا يسمع، لا أقصد السمع البيولوجي، ولكن أقصد السمع الروحي. مشكلة الإنسان أنه يريد ان يكون معلماً لذاته، كأنه يعرف كل شيء ويفهم كل شيء، ويتناسى الوصية التي تستطيع أن تصل به إلى السماء، الوصية المقدسة، كلمة الله المقدسة.
في عُرس قانا الجليل الذي نحتفل به بعد يومين من عيد الغطاس (13 طوبه)، أعطتنا العذراء مريم أقصر عظة في الكتاب المقدس، عظة من أربع كلمات: " مهما قال لكم فافعلوه "، اسمع الوصية وتعلم من المسيح المعلم، وعش بها فتفرح.
إذاً يا أخوتي الأحباء في هذا العيد المقدس، نضع أمامنا هذه الثلاثة:
· المسيح المُخَلّص الذي يخلصني من خطيتي ويجعل لي نصيباً في السماء، وواجبك أن تحافظ على هذا النصيب.
· المسيح المُفّرِح الذي يُفَرّح حياتك فلا تغيب عنه، هو في كل يوم قادر أن يقدم لك هذا الفرح.
· المسيح المعلم. المسيح يكلمنا كل يوم، ولكن " مَنْ له أذنان للسمع فليسمع ".
يعطينا مسيحنا أيها الأحباء أن نعيش كل هذه .