يندر أن يوجد أحد لا يقع في موضوع المبالغة هذه... فالذي ليست المبالغة في طبعه بصفة عامة. نراه يبالغ أحياناً في بعض الموضوعات.. وقد تكون المبالغة في الكلام. وقد تكون في التصرف.. وعموماً فإن عبارة "كل" أو " جميع" إذا قيلت في غير العقائد غالبا ما تكون فيها مبالغة. أو عدم دقة... والناس يبالغون في المديح وفي الذم. في المعارضة وفي التأييد. وأشهر شيء توجد فيه المبالغة هو الشعر. وقد تحوي مبالغاته شيئاً من الجمال الفني. حتي أنه قيل في مبالغات الشعر: إن أعذبه اكذبه...
***
ما أشهر وجود المبالغة في الوصف وبالذات في الشعر:
قال شاعر يذم آخر. في شخصه. وفي بغلته: لك يا صديقي بغلة .. ليست تساوي خردلة تمشي فتحسبها العيون علي الطريق مشكلة وتخال مدبرة إذا ما اقبلت مستعجلة مقدار خطوتها الطويلة حين تسرع أنملة أشبهتها بل أشبهتك كأن بينكما صلة تحكي صفاتك في الثقالة والمهانة والبله وطبيعي أنه لا توجد بغلة في الدنيا بهذا الوصف! ولكنها المبالغة التي تضفي علي الشعر لوناً فنياً يطرب قارئه...
***
ومن المبالغة أيضاً في الوصف. ما قاله أحد الشعراء عمن لقبها بأنها "عجوز النحس" فقال فيها: عجوز النحس إبليس يراها .. تعلمه الخديعة من سكوت تجد بمكرها سبعين بغلا .. إذا شردوا بخيط العنكبوت وواضح المبالغة في رقم سبعين. وعبارة إذا شردوا. وعبارة خيط العنكبوت! وان هذه العجوز يمكنها أن تعلم إبليس! ويشبه هذا أيضاً ما وصف به شاعر حظه السييء. فقال: إن حظي كدقيق .. وسط شوك بعثروه ثم قالوا لحفاة .. يوم ريح اجمعوه صعب الأمر عليهم .. قال قوم اتركوه إن من أشقاه ربي .. كيف أنتم تسعدوه؟!
حقا ما أدق هذا الوصف وأروعه! دقيق تتطاير ذراته في يوم ريح عاصف. والذين كلفوا بجمعه كانوا حفاة وفي وسط شوك! وصف يعطي صورة للاستحالة. ولكنها المبالغة...
***
إنها مبالغة لاتتهم بالكذب. إنما توصف بالجمال الفني. وتقدم حبكة في الوصف. ودقة وتصويرا... هناك مبالغة أخري ترتبط بلون من الفكاهة. كما حدث لما رأي أحمد شوقي جسر البسفور والدردنيل في حالة سيئة تحتاج إلي إصلاح فأرسل إلي الخليفة العثماني يقول له: أمير المؤمنين رأيت جسرا .. أمر علي السراط ولا عليه له خشب يجوع السوس فيه .. ويمضي الفأر لا يأوي اليه ولا يتكلف المنشار فيه .. سوي مر الفطيم بعارضيه
وطبيعي ان الجسر لم يكن علي هذه الحالة المتهالكة. وإلا كان قد انهار منذ زمن. ولكنها المبالغة التي تصوره في حالة تدفع القارئ "الخليفة" إلي الإسراع باصلاحه..
***
علي أن هناك مبالغات من نوع آخر: مثال ذلك نفاق حملة المحفات أيام الفراعنة:
لنا بقية غدا بمشيئة الرب