يشير القديس بولس إلى الذين تحمّلوا الكثير من الآلام مثل الطرد من الوظائف، والحرمان من الامتيازات، ومصادرة الأموال وغيرها من ألوان الهوان.
والسلب المقصود هنا بحسب ما قصدته اللغة هو عمليات السطو والنهب الواضح والتدمير، فقد كان الاستيلاء على ممتلكات المسيحيين يتم جهارًا، ولكنهم قبلوا ذلك بفرح لأنه من أجل الله، لقد أدركوا أنهم وإن خسروا هذه الأملاك التافهة، فلهم في السماء كنزٌ لا يُسرق: «عالِمينَ في أنفُسِكُمْ أنَّ لكُمْ مالًا أفضَلَ في السماواتِ وباقيًا»
والمقصود بـ"عالمين في أنفسكم" أنكم اقتنيتم أنفسكم وهو الأهم من الأموال، أن يخسر إنسان كل ما حوله لأجل المسيح ولكي يربح نفسه «مَنْ يُهلِكُ نَفسَهُ مِنْ أجلي يَجِدُها» (متى 16: 25)، حتى لو خسر الإنسان ثيابه، بل وإن ضُرِب في جسده وتعذّب وقُتِل هذا الجسد، وخسر اسمه وشهرته ومكانته وكرامته، فإن روحه أغلى وأبقى «بصَبرِكُمُ اقتَنوا أنفُسَكُمْ» (لوقا 21: 19).
إن قبول سلب الأموال بفرح هو تعامل أرقى مع الأمر، فهو ليس مجرّد احتمالاً للخسارة أو استسلامًا للظلم بسبب العجز، كلاّ وإنما بقلبٍ راضٍ وفرح، مقدِّمين شهادة بذلك للمسيح، فإن الاستشهاد ليس فقط بسفك الدم، ولكن أيضًا باحتمال إساءات الآخرين، وعلى قدر تعلُّق قلوبنا بمحبة الله نستهين بالماديات، فلا تنزعج إن اغتصبها منك أحد أو طمع فيها. لقد تعرّى المسيح لأجلنا، ننظر إليه وهو مُعلَّق على الصليب فنخجل أمام حبه، ونستخفّ بالتالي بكل ما يشغلنا عنه من أمور العالم. لقد كان الجنود الرومان يقتسمون ثياب المسيح بينهم بينما يتجرّع هو أشد الآلام، نقول ذلك لكل من رأى كنيسته تُهدَم وتُحرَق بالنار، وتُباع محتوياتها علنًا بأبخس الأثمان: «خَسِرتُ كُلَّ الأشياءِ، وأنا أحسِبُها نُفايَةً لكَيْ أربَحَ المَسيحَ» (فيلبي 3: .
ولكن لماذا نقبل سلب أموالنا بفرح؟
ذلك لأننا نُسلَب لكوننا مسيحيين، فكل من يُسرَق لكونه مسيحيًا ويقبل ذلك بفرح، ويحتمل العار لأجل المسيح، فله الفخر والوعد بالمكافأة؛ كما يجب ألاّ يكون سلب أموالنا قد جاء كعقاب لسلب أموال الآخرين. ولكن كل ذلك لا يعفي السالب من المسئولية، ولا يبرِّر عمليات النهب والتدمير. إننا نصلي لأجل الذين اعتدوا على كنائسنا وممتلكاتنا قائلين: «يا رَبُّ، لا تُقِمْ لهُمْ هذِهِ الخَطيَّةَ» (أعمال 7: 60)