+ قال أنبا أنطونيوس :
ان للجسد ثلاث حركات : الحركة الاولي من الطبع تتحرك فيه ولكنها ليست عاملة ما لم توافقها النية والحركة الثانية تتولد من الراحة وتر فيه البدن وتنعيمه بالطعام والشراب . فيسخن الجسد ويهيج الدم ويحرك الي الفعل .. ولذلك قال الكتاب انظروا لئلا تثقل قلوبكم بالشبع والسكر . كما يقول : لا تسكروا بالخمر الذي منه الخلاعة أما الحركة الثالثة فأنها تهيج علي المجاهدين من حسد الشيطان
+ سئل القديس مقاريوس :
ماذا يعمل الانسان المخدوع بأسباب واجبة وباعلانات شيطانية تشبه الحقيقة ؟ .
الجواب :
يحتاج الأنسان في هذا الأمر إلي افراز كثيرة ليميز بين الخير والشر ، ولا يسلم نفسه بسرعة ، فأن أعمال النعمة ظاهرة ، التي وأن تشكلت بها الخطية فلا تقدر علي ذلك ، لأن الشيطان يعرف كيف يتشكل بشكل ملاك نور ليخدع ، ولكن حتي ولو تشكل بأشكال بهية ، فانه لا يمكنه ان يفعل أفعالا جيدة ، ولا أن يأتي بعمل صالح اللهم الا أن يأتي بعمل صالح . اللهم ألا ان يسبب بذلك الكبرياء ، أما فعل النعمة فانما هو فرح وسلام ووداعة ، وغرام بالخيرات السمائية ، ونياح روحاني لوجه الله ، أما فعل المضاد فبخلاف ذلك كله ، فهو لا يسكن الملاذ ، ولا يهديء الآلام .
فأذن من فعل الأفراز أن تعرف النور اللامع في نفسك ، هل هو من الله أو من الشيطان ، والنفس بها أفراز من احساس العقل ، به تعرف الفرق بين الصدق والكذب ، كما يميز الحنك الخمر من الخل ، وأن كانا متشابهين في اللون ، كذلك النفس من الأحساس العقلي تميز المنح الروحانية من التخيلات الشيطانية " .
+ قيل عن أحد الرهبان :
انه كان بليغا جداً في الأفراز والتمييز وأراد السكني في القلالي فلم يجد قلاية منفردة ، وأنه خرج تائها في البرية الي ان لقيه أحد الشيوخ فقأخبره بحاله فأجابه الشيخ : " أن لي قلايتين . فاجلس في واحدة منهما الي أن يسهل المسيح لك بقلاية " فحمد أفضاله . ولما سكن في القلاية قصده قوم من الرهبان لينتفعوا منه لكونه من أهل الفضل ، وكانوا يحملونه اليه ما سهل عليهم حمله .
فلما نظر الشيخ صاحب القلاية ذلك بدأ يحسده بايعاز من الشيطان وقال لتلميذه : " كم من السنين ، ونحن مقيمون في هذا المكان ، ولم يقصدنا واحد من هؤلاء الرهبان . وهذا المحتال في أيام قلائل استحال اليه الكل ، أمض اطرده من القلاية " فمضي التلميذ وقال له : " أ، المعلم يسلم عليك ويسأل عن صحتك ونجاح أحوالك واعتدال مزاجك ويسألك أن تصلي من أجله لأنه مريض ، ويقول لك : أن كان لك احتياج الي شيء أقوم بتأديته لك " فقام الراهب وسجد للتلمذ وقال له بلغه سلامي عني .
وقل له :
" اني بخير ببركة صلواتك وليس لي احتياج لشيء " .
فرجع التلميذ الي الشيخ وقال له : أن الراهب يقبل يديك ويسألك أن تصلي من أجله وتمهله أياما قلائل حتي يجد لنفسه قلاية ، ويرتحل عن قلايتك بسلام . فصبر ثلاثة ايام وبعد ذلك أقلقه الحسد ، فقال لتلمذه : اذهب وقل به " لقد صبرت أكثر من اللازم . فأخرج من القلاية " فأخذ التلميذ بركة مما كان يوجد في القلاية ، ثم جاء الي الراهب وسجد بين يديه وقال له : " أ، المعلم يسلم عليك ويسألك أن تقبل منه هذه البركة لأجل السيد المسيح وتصلي من أجله لأنه متعب جداً . ولولا توجعه لكان اليك " فلما سمع الراهب ذلك أدمعت عيناه وقال : " كنت أشتهي أن أذهب وأبصره " فقال له التلميذ : " لا يا أبتاه ، فأنه لا يحتمل أبا مثلك يرافقني اليه ، لئلا يلحقني من ذلك شر . أبق أنت ههنا وأنا أبلغه سلامك ورسالتك "
ثم ودعه وخرج وأتي الي الشيخ وقال له : يا أبتاه أن الراهب يقول لك : " لا يصعب عليك الأمر ، ولا تغضب ، في الأحد سوف أخرج من قلايتك " فما زال الشيخ يترقب سواعي الليل حتي يوم الأحد فلما لم يخرج الراتهب قام الشيخ واخذ عصا وهو مسبي العقل ، طائر الفكر ، وقال لتلميذه : " تعال معي الي هذا الراهب المحتال ، فأنه اذا لم يخرج باختياره فسوف أطرده بهذه العصا مثل الكلب " . فلما رآه التلميذ هائجا ،وقد سلب العدو فكره ، قال له : " أسألك يا أبتاه أن تستمع الي مشورتي بأن تجلس ههنا ، وأنا أسبقك اليه وأبصر ان كان عنده رهبان ، لئلا اذا أبصروك علي هذه الحال يطردونك عنه فلا تنال بغيتك ، أما اذا وجدته وحده اعلمتك لتمضي اليه وتطرده " ، فاستصوب الشيخ كلام التلمذ وجلس وهو يصر بأسنانه ومضي التلميذ الي الراهب، وسجد له كعادته وزقتال : " ان المعلم يسلم عليك ، ولما أعلمته أن جسمك ضعيف احترق قلبه ولم يستطيع صبرا ، وقد جاء ليبصرك ، ولكنه بسبب ضعفه ما أمكنه المجيء اليك " . فلما سمع الراهب ذلك الكلام خرج لوقته للقائه بلا كساء ولا قلنسوة علي رأسه ولا عصا بيسده . فسبقه التلميذ الي معلمه وقال له : " هوذا الراهب قد ترك قلايتك وها هو حاضر ليودع ويأخذ بركة صلاتك قبل ذهابه وانصرافه بسلام " . فلما سمع الشيخ هذا الكلام تذكر كلامه ومراسلاته له ، وانكشفت عنه غمامة الحسد وبقي حائرا في نفسه ماذا يعمل ، وخجل من لقائه ، ولشدة الحياء لم يقدر ان يرفع عينيه نحوه ، فأخذ يولي الأدبار ، فلما رآه التلميذ علي هذه الحال ، سجد له وقال : " يا أبتاه . التق بأخبك دون خجل فأن جميع الكلام الذي قلته لي لم يصل الي مسامعه قط " ، فلما سمع الشيخ هذا الكلام فرح جدا والتقي بالراهب بفرح وقلب نقي ،ورجع معه الي قلايته . فقال له الراهب : " أغفر لي يا أبتاه لأنه كام الواجب علي أنا أن آتي اليك ، لأنك تعبت في المجيء الي : فلما رجع الشيخ الي قلايته سجد بين يدي تلميذه وقال له : " أنك من الآن أنت الأب وأنا لا أستحق أن اكون تلميذا " لأنك بعقلك وسلامة ضميرك وحسن افرازك ، خلصت نفسي من الفضيحة .