+ حكي راهب تقي قائلا :
أني في حال سفري لأسجد في أورشليم جئت إلي موضع حيث كان هناك جرف عال وفيه مغارة ، ومن تحته يوجد دير ، فدخلت اليه ، فقال لي سكانه أن أحد الرهبان أراد أن يسكن تلك المغارة ، وسأل الرئيس في ذلك ، فقال له : يا ولدي ، أنك لا تقدر أن تسكن المغارة ، لنك لم تخضع أسقام نفسك بعد ، ولا آلام جسمك للقوة الناطقة ، كما أنك لا زلت تجهل حيل ابليس المتفننة . فالأجود لك أن تقيم بالدير ، وتخدم آباءك وتربح صلواتهم ولا تبق وحدك مقاتلا شياطين خبثاء .
ولكنه لم يقتنع ، فأفسح له الرئيس في ذلك ، وصعد الي المغارة ورقع السلم . وكان الاخوة يحضر له طعاما ويرفعه في زنبيل . ثم أن ابليس .
الذي لم يزل محاربا للسالكين طريق الفضيلة – دبر له وهقا ليرميه في هوة الكبرياء ويأخذه أسيرا ، فظهر له شكل ملاك نوراني وقال له : أعلم أهيا الأخ أنه لطهر نيتك وشرف سيرتك ، أرسلني الرب خادماً لقدسك .
فأجابه الراهب : وما الذي فعلته حتي تخدمني ملائكة ؟
قال له ذاك : أن جميع اعمالك جليلة وقد أنعزلت عن الرهبان وسكنت وحدك في هذا الموضع ، فكيف لا تخدمك ملائكة ؟
بهذه الأقاويل وأمثالها نفخ التنين في ذلك الراهب ، وصار يأتيه كل يوم ويخاطبه بمثل هذا الكلام .
ثم أنه حدث في بعض الأيام أن رجلا وقع بين اللصوص وسلبوا ماله ، فسعي الي مغارة ، فتقدم ابليس وجاء اليه في صورة ملاك وقال له : أن انساناً يقبل اليك ، سرق اللصوص بيته ووضعوا ما أخذوه منه في مكان كيت وكيت . فأتي الرجل وسجد تحت المغارة فأجابه الراهب من فوق : مرحبا بك يا أخي ، قد عرفت حزنك ، أن لصوصا أخذوا حاجاتك وهي كذا وكذا ، وهي مخبأة في المكان ، امض خذها وصل علي .
فرجع الرجل الي ذلك المكان ولما وجد اشياءه انذهل ، وأشاع الخبر بين الناس ان الراهب ساكن المغارة يعلم الغيب . فأقبل اليه جمع غفير ، رجالا ونساء وأحداثا متسائلين . ودخل فيه الشيطان وصار يخبر كل واحدج بما ناله في زمانه وما يناله ، فلما سمع رهبان ديره عجزوا كيف بلغ هذه المنزلة في زمن يسير . وفي يوم الاثنين ثاني أسبوع القيامة ، ظهر له ابليس وقال له : أعلم أيها الأب ، انه يوم الاثنين ثاني أسبوع القيامة ، ظهر له ابليس وقال له : أعلم ايها الأب ، أنه لحسن سيرتك فان ملائكة كثيرين مرسلون خلفك ليحملوك الي السماء حتي تعاين المجال الذي هناك . وان الاله المتحنن لم يشأ هلاكه ، فألهمه أن يطلع الرئيس علي هذا الأمر ، فرأسله بيد الأخ الذي يأتيه بالطعام ، فلما سمع الرئيس بذلك أسرع بالمضي اليه وقال له : " يا ولدي لماذا استدعيتني ؟ فأجابه قائلا : " بماذا أكافئك يا أبي عن جميع ما عملته مع حقارتي ؟ " فأجابه الرئيس : وماذا عملت معك من الخير ؟ " ، فقال : " خيرك علي كثير لك استحققت لبس هذا الزي ، بك سكنت هذه المغارة ، بك بلغت أن أنظر ملائكة ، بك الهمت بعلم الغيب " .
فلما سمع ذلك قال له : " أأنت يا شقي تنظر ملائكة الغيب ؟ أما قلت لك : لا تصعد الي المغارة لئلا تضلك الشياطين ؟ " .