التسامح لنيافة الأنبا مكاريوس

بينما يعد التسامح من أكثر الفضائل التي تناولها السيد المسيح ومن بعده الآباء، إلا أن الكثيرين يعتبرونه نقطة ضعف وجبن، وما يزال الكثيرون يصطدمون بهذا التعليم (الخد الآخر والميل الثاني). والناس تجاه هذه الفضيلة درجات:

‌أ) شخص يسيء.

‌ب) شخص يرد الإساءة كاملة.

‌ج) شخص يرد الإساءة بكلمة أو نظرة.

‌د) شخص يرد الإساءة في الخفاء.

‌ه) شخص يحتفظ بالحقد والمرارة في قلبه.

‌و) شخص لا يحتفظ بذلك ولكن يفرح ببلية الآخر (مثل شخص يسيء وآخر لا يفعل، ولكنه يمرّر الإساءة).

‌ز) شخص لا يرد ولا يحقد ولا يفرح ببلية الآخر، ولكنه في الوقت ذاته لا يفرح لخيره، وإن سمع أحد يمتدحه يتضايق.

كيف ترى المسيء؟: هل أنت السبب؟ هل هو غير طبيعي؟ هل يحتاج إلى شفقة؟ هل تراه طبيبك أرسله الله لشفائك؟! هل تسامحه؟ أم هل تلتمس له العذر؟ أم تعود بالملامة على نفسك في كل شيء؟. أم أنك تعتبر الإساءة عقابًا من الله على أشياء مضت؟! أم تسامح لتبدو فاضلاً وتُمتَدح من الآخرين!!

ولكن لماذا نغفر؟!: ليس فقط لأن هذه وصية الله لنا «كونوا متسامحين كما سامحكم الله أيضًا في المسيح» (أفسس 32:4)، بل ليغفر لنا الله. وفي الصلاة الربية لم يرد أي تعليق سوى على هذه الطلبة (اغفر لنا كما نغفر ...). ونحن نغفر القليل مقابل الكثير (كما في مثل المديونيْن): «اغفر لقريبك ظلمه لك، فإذا تضرّعت تُمحى خطاياك. أيحقد إنسان على إنسان ثم يلتمس من الرب الشفاء» (سيراخ 28: 3،2)، كما أن الإنسان فكره الروحي في السماء وليس هنا، وبالتالي فهو يستخفّ بكل خسارة وإهانه...

ولكن متي نعاتب؟: يتعلّل البعض بأن السيد المسيح، الذي طلب منا بفمه الطاهر أن نحوّل الخد الآخر ونمشي الميل الثاني، هو نفسه عاتب عبد رئيس الكهنة عندما لطمه.... ولكن السيد عاتبه بلطف، لأن الذين كانوا يلطمونه كانوا جنود الرومان، وهذا شخص يهودي يتمثّل بهم... كما أن السيد المسيح تحمّل الكثير من اللطمات والتعيير والشوك والمسامير والحربة وغيرها... فلا مانع من العتاب ولكن برقّة ومحبة في الشخص، ومنعاً للتكرار لا سيما وأن هناك أشخاصًا يجب علينا تنبيههم؛ ولكن ليس على سبيل الثأر للنفس!!. كما أن الصمت وعدم المعاتبة يُفضي إلى تراكم الغضب في الداخل فيصل إلى السخط (والذي هو انفجار الغضب)، إذ يتذكّر الشخص كل شيء مرة واحدة: «لا تبغض أخاك في قلبك ولا تحقد على أبناء شعبك» (لاويين19 :18،17).

الخطة التي رسمها لنا السيد المسيح للعتاب هي: «وإن أخطأ إليك أخوك فاذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما، إن سمع منك فقد ربحت أخاك...» (متى 18: 15)، كما يقول يشوع بن سيراخ: «عاتب صديقك فلعلّه لم يفعل، وأن كان قد فعل فلا يعود يفعل. عاتب صديقك فلعله لم يقل، وإن قال فلا يكرّر القول. عاتب صديقك فإن النميمة كثيرة، ولا تصدق كل كلام خرب» (سيراخ 19: 13-16)؛ وبالتالي ستكون للمعاتبه أكثر من فائدة: المسيء يحتاج إلى من يلفت نظره لئلا يعتاد ذلك ويغضب الناس منه، وقد يتّضح عند معاتبته أنه لم يفعل وبذلك ينفك الالتباس. كما أن نقل الكلام بعدم دقة هو شرٌّ، وأمّا عدم الأمانة في النقل فهو شر أكثر، إن مثل ذلك يسبب الحروب والخصومات بين الشعوب، والأفراد، والعائلات، والأصدقاء.

الاقتصار (الاختصار): فإذا لم يقبل وإذا تمادى، ففي هذه الحالة يمكن الاقتصار، وبعض الآباء يقولون: "اقطعه منك"، أي لا تشغل نفسك به، لئلا يستخدمه الشيطان ضدك فتتكدّر حياتك، وتتشوّش أفكارك، ويؤثر ذلك على صلاتك وعلى عملك وبيتك؛ على أن الاقتصار يجب أن يلازمه:

1) تحاشي الإدانة (كنوع من التنفيس والدفاع عن النفس).

2) أن تحتفظ بدرجة (ولو صغيرة) من المجاملة العادية.

3) أن تترك الباب مفتوحًا (مواربًا) لعله يرجع إليك.

الغضب المقدس: الغرائز عطية عظيمة من الله، ولكن استخدامها بشكل جيد وضبطها هذا يميز الأنسان عن الكائنات الأخرى، فإذا غضبت:

v فليكن من أجل غيرة الله وحقوق الآخرين.

v فلتعبّر عن ذلك بأدب ودون جرح الآخر.

v فلا تدع الغضب يظهر في الخارج.

"إذا إردت أن تغضب وتحقد وتبغض: فاغضب على جسدك، واحقد على الشيطان، وأبغض الخطية" (الأب يوحنا الدرجي). وهناك فائدة للغضب وهي إدراكنا آلام الآخرين متى اثرناهم أو جرحناهم، ويعني أيضًا أننا أحياء (نحس بالألم). كونوا شفوقين علي الآخرين: "لا تكن قاسي القلب على أخيك فإننا جميعًا قد تغلبنا الأفكار" (أنبا موسي الأسود)، ولا تضطر الآخرين إلى احتمالك. «فإنه إن غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم أيضًا أبوكم السماوي» (متى 6: 14).

» أنت بلا عذر أيها الإنسان... لنيافة الأنبا مكاريوس
» أنت بلا عذر أيها الإنسان + لنيافة الأنبا مكاريوس
» فلسفة الاسماء لنيافة الأنبا مكاريوس
» أتيت بنا إلى هذه الساعة ** لنيافة الأنبا مكاريوس
» بين الشجاعة والتهوّر *لنيافة الأنبا مكاريوس