لا يكفي أن يكون الانسان هادئا من الخارج. في كلامه وفي أعصابه. إنما يجب أن يكون هادئا في الداخل أيضا. تكون نفسه هادئة.
وهدوء النفس من الداخل. هو الذي ينبع منه الهدوء الخارجي
إن النفس التي تغلي من الداخل. حيثما حلت يحل الغليان والتوتر. تعيش كشعلة : حيثما ألقيت. أحرقت وانتشرت نارها هنا وهناك. لدرجة أن أمثال هؤلاء الناس إذا دخلوا مكانا. يتهامس البعض قائلين: "يارب استر".
***
ولكن الانسان الهادئ من الداخل. نري هدوءه الداخلي يفيض هدوءا في الخارج.
نجد صوته هادئا. ومشيته هادئة. ومعاملاته هادئة. ومناقشاته هادئة ومريحة.. وفي هدوئه لا يصيح ولا يتشاجر. بل تكون علاقاته طيبة مع جميع الناس. إذ لا يلجأ الي المشادة أو الي العنف مع أحد. هذا من الخارج..
أما من الداخل. فيتمتع بهدوء الفكر وهدوء القلب
الإنسان غير الهادئ من الداخل. تكون في داخله افكار كثيرة: تموج وتطيش. وتروح وتجئ. ولا تثبت علي حال. ففكر يجذبه الي هنا. وفكر يشده إلي هناك. وذهنه دائم التغير. والأفكار تؤثر علي نفسه لأنها غير مستقرة..
***
وغير الهادئ يقاسي أيضا من عدم الهدوء في مشاعره
إنفعالاته وأحاسيسه غير هادئة. رغباته وآماله طائشة غير مستقرة. يجذبها الخيال أحيانا الي آفاق عالية لا يستطيع الوصول إليها. ويحطه الفكر العملي الي واقعه البعيد عن آماله. ويظل يضطرب بين الرغبة والواقع. فتضطرب معه انفعالاته. وقد يقع في اضطرابات نفسية عديدة. نذكر من بينها القلق..
والشخص الذي يعيش في قلق. هو فاقد لهدوئه
فالقلق يدل علي عدم هدوء النفس. والقلق يدفع إلي الخوف.. والإنسان المصاب بالقلق. أفكاره غير هادئة غير مستقرة...
***
والقلق قد يدعو إلي الشك.. والشك يُفقد النفس هدوءها
والإنسان الشكاك لا يكون هادئا مطلقا من الداخل. ويسائل نفسه باستمرار : هل هو علي حق في شكوكه؟ وهل يجوز أن تكون شكوكه غير حقيقية؟ وكيف يمكنه أن يتحقق من هذه الشكوك ويثبتها؟
فهو يشك. ثم يشك في شكه! وتبقي أفكاره غير هادئة. وقد تعذبه نفسيا وتتعبه. وهذا التعب يزيد من عدم هدوئه.. كما أن الشك قد يتعب الشخص في علاقاته مع الآخرين..
والشك له أنواع. وكلها تفقد الهدوء:
سواء كان شكا في وقائع أو في أشخاص.. أو شكا في علاقات.. أو كان شكا في عقيدة. أو في الله نفسه! وربما يكون الشك في مستقبله وما ينتظره فيه... وفي كل ذلك الشك يكون العقل مضطربا. وتكون النفس أيضا مضطربة...
***
علي أية الحالات. هدوء القلب يجلب هدوء الأفكار..
اذا كان القلب مستريحا وهادئا. تصبح افكار صاحب هذا القلب مستريحة أيضا وهادئة. فإذا اضطرب القلب. اضطربت افكاره. وهكذا حسبما يكون القلب. تكون الأفكار. إن كانت في القلب عواصف وبراكين. تجد الأفكار كأنها في سوق يبيعون فيه ويشترون! وبالعكس اذا كان القلب هادئا. تهدأ معه الأفكار..
علي أن هناك أشخاصا نفسياتهم ضعيفة. يضطربون لأتفه الأسباب.
وربما لمجرد الوهم. بغير سبب حقيقي. وفي اضطرابهم يفقد القلب هدوءه. ويفقد الفكر هدوءه. وينعدم الهدوء الداخلي. ويظهر عدم الهدوء في تصرفاتهم أيضا..
***
ومن مظاهر عدم هدوء الفكر. حالة الفكر الطائش الجوّال..
فالفكر الهادئ مركز. مستقر في موضوع تفكيره. وله عمق في التفكير. أما الفكر غير الهادئ. فإنه يجول من موضوع إلي موضوع. ويطيش في أمور متعددة. كمن تطيش أفكاره حتي أثناء الصلاة! وكما قال واحد من الآباء "إذا كانت النار طعامها الوقود. فإن الفكر طعامه الحكايات"..
الفكر الطائش غير الهادئ يهوي الحكايات والأخبار والرغبات وينتقل من خبر إلي خبر. ومن قصة إلي قصة. ومن سيرة شخص إلي سيرة شخص آخر. بل ينتقل هذا الفكر من بلد إلي بلد. دون أن يهدأ. إنه يذكرنا بالشيطان الذي من عمله الجولان في الأرض والتمشي فيها...
،، البقية غداً ،، بمشيئة الرب