دخل القديس موسى إلى الحياة الرهبانية بقلب خاشع تملأه الراحة ويشيع فيه الفرح، كمن عثر على بئر الحياة ووجد ضالته المنشودة، ومثل ربان تعب كثيرًا قبلما يصل إلى اليابسة.. جاهد موسى بحرارة تضمن له استمرار جذوتها طاعته لأبيه الروحي، وتمسكه بالرجاء الذي لنا في المسيح.
ولقد كان من السهل على شخص مثله جديد على هذا النوع من الحياة القاسية أن يتراجع متعللًا بالمشقات الكثيرة التي تصادفه وهو ما يزال غضًا في الطريق النسكي، ولكنه كان مثابرًا..لقد أثار عليه عدو الخير حربًا شعواء بخصوص عفته، وفي ذات ليلة تردد على الأب إيسيذورس إحدى عشر مرة الذي كان يشجعه ويعزيه في كل مرة، فيمضى إلى قلايته ثم لا يلبث أن يعود إلى معلمه باكيًا بسبب ثقل الأفكار (وكان يسكن في ذلك الوقت عند الصخرة المسماة بترا)
وفي النهاية أخذه معلمه من يده وأصعده إلى سطح الكنيسة وجعله ينظر جهة الغرب سائلًا إياه عما يرى فرأى شياطين كثيرين بوجوه قبيحة متأهبين للقتال، ثم استدار وجعله ينظر إلى الشرق فرأى ملائكة أكثر منيرين يسبحون الله، وقال له القديس: "إن الذين في الغرب هم أعداؤنا وأما الذين في الشرق فهم معاونونا، أفلا تتشجع!!" ففرح موسى وعاد إلى قلايته مستريحًا.
عن ذلك سأل بعض الأخوة شيخًا: ”لماذا لما أتى على أنبا موسى قتال الزنى لم يقدر أن يبقى في قلايته حتى ذهب إلى أنبا إيسيذورس الذي لما أراه الملائكة والشياطين تشجع للقتال وعاد إلى قلايته“؟ فأجاب الشيخ: ”كل إنسان يحاربه شيطان الزنى بقدر قياس تدبيره، فالذي يحاربه الزنى زمانًا طويلًا في أفكاره وهو يجاهد ضدّه بالصلاة والنسك ويغلب الأفكار، فإن الشياطين تحاربه علنًا في حواسه ويصوِّرون له بشرًا وحيوانات تفسق أمامه بجميع القبائح، وأحيانًا تحيط به شياطين كثيرة ويغصبونه على أن يميل إلى وجع الزنى، فإذا اشتدّ هذا القتال على المتوحد في الهدوء فعليه أن يصبر، وبعد أن ينتصر في هذا القتال يضيء في ذهنه النور المقدس كما يقول الآباء وينال نعمة الطهارة. فلأن أنبا موسى كان يرى خيالات الشياطين القبيحة، لذلك كشف له أنبا إيسيذورس منظر الملائكة فنال عزاءً وشجاعةً كثيرةً وعاد إلى قلايته بفرح“.
وكإنسان اختبر ذلك يقول فيما بعد محذّرًا من اليأس:
"الذين يريدون أن يقتنوا الصلاح وفيهم خوف الله فإنهم إذا عثروا لا ييأسون بل سرعان ما يقومون من عثرتهم وهم في نشاط واهتمام أكثر بالأعمال الصالحة".
-------------------------------------------------------