نشكر الرب الذي أدخلنا إلى عام جديد من الزمن يحسن أن نبدأه ونحن نتذكر صورة الشاب سليمان ذو الثماني عشرة سنة وهو يختار لعمل الملك ، ويواجه بتركة مثقلة بالدم من أبيه البار داود ، الذي ظل حيا حتى رأى ابنه سليمان وعلى رأسه تاج الملك ، فسجد للرب على سريره مقدما الشكر لأن عينيه قد رأت ابنه كوعد الله يجلس على كرسيه.
وأنتم تعلمون ماذا يصنع الملك أو السلطة بعقل وتصرف الشاب الذي لا ننكر جميعنا أن خبرته في الحياة وحتى في إدارة الأمور تحتاج إلى الكثير حتى يشق الطريق مفلحا .
حياة يومية :-
إن هذا الحلم أو الرؤية الإلهية لسليمان تعطينا فكرة عن حياة هذا الشاب اليومية ، فلقد كان سليمان نائما ، وعند النوم تمر في أحلام الإنسان أصداء أحداثه اليومية – إننا هنا نتكلم عن حلم الليل لسليمان إنسانيا – بغض النظر عن الرؤية الإلهية ، فرؤيته لله يظهر له ليسأله ماذا يريد لنفسه !! تدلنا على نوعية حياة هذا الشاب . فإننا جميعا نعلم كم يحارب الشاب بأفكار وإغراءات وقوة غريزية كثيرا ما تجعل جسده فائرا حتى في أثناء النوم .. ولكن هذا الشاب وهو في بداية حياته كان مشغولا بإلهه طوال نهاره بالرغم من الأعباء والقضايا الملحة ، المتشعبة والكثيرة لشعب مرد صلب الرقبة .
فهما وتمييزا :-
وهنا يا أحبائي نجد العبد مع السيد ، نجد البئر مع النبع ، نجد الجندول مع النهر ، نجد الأصل والصورة معا ، أي الله في غناه يسأل سليمان ماذا تريد ؟ .. فطلب شيئا واحدا في بداية شبابه .. قلبا فهيما .. أي قلبا يسمع لصوت الله ويميز بين الخير والشر ، وهذا مناسبا لنا جميعا ونحن نبدأ العام الجديد أن ننشغل بطلب نعمة التمييز ، لأن الشر حاضر كما الخير أيضا ، ولي مطلق الحرية وكل الإرادة في الاختيار ، لهذا يتوقف اختياري دائما على بصيرتي التي تميز بين الخير والشر لتختار الخير وترفض الشر .
وأعتقد أن كل منا في بداية العام يحتاج لرفع مثل هذه الصلاة .. فنحن نحتاج مع كل بداية أن نطلب هذه النعمة مثل سليمان . فالسنة الوليدة أشبه بالشاب الحدث ، ونحن في كل الزمن أحداث مهما مر بنا من أحداث ، نحن في الزمن دائما تلاميذ مهما أخذنا من مقررات ، لذلك لابد أن نطلب دائما نعمة الفهم والتمييز .
لا تهتموا بشيء :-
إن طلبنا نعمة الفهم والتمييز فسنجد معلمنا بولس الرسول يشخص لنا فهما رسوليا لما ينبغي أن تنشغل به أفكارنا طوال العام بقوله " لا تهتموا بشيء " (في6:4) ، فآفة الحياة اليومية التي تترك ظلالا كئيبة على حياتنا كأفراد وأسر وجماعات هو الاهتمام الذي يوصلنا للهم والقلق ، وهذه كلها نتائجها معروفة ، أما الذي يميز أولا فلابد أن يعرف أن في كل الزمان له إله قال لا تهتموا بشيء ..
لذلك تعاملوا مع الأحداث اليومية لا بالهم والقلق ، بل بالعمل .. فالعمل يلغي الهم ويعطي الفكر نظافة يومية .. فمثلا من يجلس مهموما لأجل العنكبوت الذي في بيته لا ينظفه ، ولكنه لو أحضر أدوات تنظيف وعمل بيديه سينظفه ، فالله يستطيع أن " يعطي المعيي قدرة ولعديم القوة يكثر شدة" (إش 29:40) .
إذا لا تهتموا بشيء .. فالذي يختار الخير مميزا إياه باستمرار يعرف أن آفة الحياة والزمن هي الاهتمام الرديء الذي يضعنا أمام عجزنا كبشر ، وكلما مر بنا الزمن سنجد تعقيد أكثر في الحياة اليومية .
بماذا نهتم ؟ غدا بمشيئة الرب كمالة