والإنسان الصالح ينبغى أن يكون مدققا فى كلامه:
فهو يزن كل كلمة قبل ان يقولها، سواء من جهة معنى الكلمة أو قصدها،أو مناسبتها للمجال أو للسامعين، أما الذى يتكلم ثم يندم على قول، فهو غير مدقق فى كلامه. وكذلك الذى يتكلم، ثم يعاتبونه على معنى كلامه، فيقول ما كنت أقصد ذلك، هو أيضا غير مدقق فى كلامه. ويخطئ أيضا الذى يتكلم ويجرح شعور غيره، بغير حكمة وبغير تدقيق.
إن السرعة فى التكلم، هى من الأسباب التى تؤدى إلى عدم التدقيق. سواء السرعة فى ابداء الرأى، أو السرعة فى الحكم على الآخرين، أو السرعة فى الأستسلام للغضب. كل ذلك يعرض الإنسان للخطأ. فلا يكون مدققا فى كلامه.
أما الذى يتباطأ، ويزن الكلمة قبل أن يقولها، فانه يكون أكثر تدقيقا. لأنه فى الأبطاء أو فى التفكير المتزن، يمكنه أن يتحكم فيما يريد أن يقوله،بحيث يتخير الألفاظ المناسبة،ويحسب ردود فعلها لأن الكلمة بعد أن يلفظها، لا يستطيع أن يغيرها أو يسحبها! لقد حسبت عليه.
وكما يدقق الإنسان فى كلامه، ينبغى أن يدقق فى مزاحه وضحكه.
بحيث لا يخرج مزاحه عن حدود اللياقة والأدب، كما لا يجوز أن يتحول ضحكه إلى لون من التهكم على الغير أو الإستهزاء به، وجعله مادة لفكاهاته ولسخريته وتسلية الناس! ولا يجوز أن يؤدى ضحكه إلى جرح شعور غيره.فمن حق الإنسان أن يضحك مع الناس، لا أن يضحك على الناس. وليس له أن يهين غيره، ولو فى مجال مزاح، ولو عن غير قصد.
****
والإنسان الروحى يكون أيضا مدققا فى نقده وفى عتابه: فالنقد السليم ليس هو التجريح ولا التشهير. إنما هو لون من التحليل، تذكر فيه النواحى الطيبة. أما المآخذ فتذكر بطريقة موضوعية، وليس بطريقة شخصية، وبأسلوب غير هدام.
والعتاب أيضا لا يكون قاسياً ولا يوبخ الشخص من يعاتبه، كمن يريد أن يحطمه. بل يكون هدفه أن يصالحه. والعتاب الخاطئ قال عنه الشاعر:
ودع العتاب فرب شر.. كان أوله العتابا
ماأكثر الناس الذين يستخدمون كلمة "الصراحة" فى غير معناها الدقيق، فتتحول الصراحة إلى مهاجمة وتجريح، ولا تأتى بنتيجة.
****
الإنسان المدقق تظهر دقته أيضا فى كل عمله ومسئولياته:
سواء كانت المسؤلية ادارية أو مادية أو اجتماعية. فالدقة فى العمل تقود إلى النجاح والاتقان، وإلى احترام الناس وثقتهم. والإنسان المدقق لا يحتاج إلى من يراجعه فى عمله. فهو يبعد عن كل خطأ، وتكون دقته فى العمل نموذجا لغيره. وان اخطأ لسبب ما لا يحاول أن يبرر ذلك بأعذار. فمحاولة تبرير الأخطاء هى ضد التدقيق.
هناك كثيرون يدققون فى محاسبة غيرهم ولا يدققون فى محاسبة أنفسهم!
أما انت فحاسب نفسك بتدقيق شديد، ولا تعذر نفسك. ولكن بالنسبة إلى الآخرين، فحاول ان تلتمس لهم عذرا.
****
الإنسان الروحى يكون دقيقا أيضا فى عبادته، وفى مقاومة الخطية:
انه لا يقصر فى صلاته، وفى صومه، ولا فى قراءاته الروحية، ولا فى شئ مما يربطه بحياة الفضيلة والبر. ويكون حريصا جدا فى البعد عن أسباب الخطية. وان عرضت له, يقاومها بكل حزم.
ويدقق فى كل سلوكياته: فى العمل، وفى هدفه، ووسيلته. ويحرص أن يكون امام ضميره بغير لوم. ويحكم على نفسه قبل ان يحكم الناس عليه. واذا كان فى موقف ادارة، يحترس ان يتطور من الأمر إلى التسلط. ويحترس ان يتحول من القدوة إلى محبة المديح واعلاء الذات.