هناك مبدأ فى الحياة النسكية يقول أن أفضل طريقة لذلك هى شفاء الضد بالضد!! وقلنا فيما سبق أنه فى المسيح يسوع لا يستحيل شئ وبالتالى لا يصعب شئ، بل أن الإرادة القوية المسنودة بالإتضاع مع عمل النعمة، من شأن ذلك أن يعيننا فى التخلص من أي عادة سيئة (أستطيع كل شئ فى المسيح الذى يقوينى فى 4: 13).
يقول الأب دوروثيئوس الناسك: "تظهر المعرفة الطبيعية المتعلقة بالفضائل والعادات المضادة لها فى نوعين، النوع الأول هو المعرفة النظرية، عندما يفكر الأنسان فى ذلك فى حين يفتقر الى الخبرة بل قد لا يكون متأكدًا فى بعض الأحيان مما يقوله، والآخر هو عملى حيث تكون تلك المعرفة مؤكدة بالخبرة، وعلى هذا تكون واضحة وجديرة بالثقة دون شك، وفى ضوء هذا تظهر بعض معوقات للعقل فى سبيل أقتناء الفضيلة، مثل الميل الطبيعى للعادة والذى يقاوم الفضيلة بطبيعته، وبالممارسة الطويلة ينجذب العقل لأسفل جهة الأرضيات، ومثل تأثير الحواث المثارة والتى تجذب العقل إليها..
و يقول الأب لوقيوس: "توجعت معدتى مرة وطلبت طعاما فى غير أوانه، فقلت لها: موتى مادمت قد طلبت طعاما فى غير أوانه، فها أنا أقطع عنك ما كنت أعطيك إياه فى أوانه".
فالأمر إذن يحتاج الى المواجهة مواجهة النفس بضعفاتها مع القناعة الداخلية بضرورة محاربة تلك العادة ومواجهة هذه، وقد تحتاج بعض العادات الى الحل القاطع بينما يناسب البعض الآخر التدرج، فبعض العادات مثل السرعة فى الكلام تحتاج الى التدرب على القراءة بصوت عال فى مكان منفرد، بينما عادة مثل التدخين تحتاج الى القطع، وقد لا يرضى الإنسان بقطعها طواعية فى حين يضطر الى ذلك مع المرض ومع التقدم فى السن حيث تحرم الشيخوخة أصحابها من متابعة عاداتهم والأستمرار فيها، قال أحدهم) ها قد بلغت الستين من عمرى.. إن شهيتى تجاه بعض الأطعمة مثل الحلوى والمرطبات لم تنقص، ولكن قدرتى على ضبط النفس تجاهها قد ازدادت).
يقول الأب دوروثيئوس الناسك: "إن النفس الواقعة تحت سيطرة بعض العادات هى قادرة أيضا على التغلب على تلك العادات، إنها قبل تكوين العادة قد انخدعت بالجهل، لذا يجب على الأنسان أن يسعى الى المعرفة الحقيقية لجوهر الحياة ومن ثم يحث إرادته جهة الصلاح محتقرا كل الأشياء العالمية موقنا من فنائها، لأنه ماذا تساوى تلك الأمور بالنسبة لهدفنا الحقيقي؟".
إنّ عادة مثل التلصص بالنظر أثناء السير والوقوف.. يناسبها القطع والبتر لا التدرج، يقول الأب نيلوس " أننا لن ننتفع شيئا إذا ظللنا منجذبين للخلف مستمرين فى التفكير فى الأشياء العالمية، مثل امرأة لوط، حيث ننظر الى كل ما تركناه حيث نعلن بذلك تمسكنا، فهى نظرت الى الخلف فتحولت الى عمود ملح، وظلت الى اليوم مثال الى عدم الطاعة (تك 26:19) ) إنها تمثل قوة العادة التى تجذبنا الى الخلف ثانية بعد أن نكون قد حاولنا اتخاذ موقف للزهد".
بينما عادة مثل الشراهة فى الطعام والتى تؤدى الى السمنة المفرطة، فإنه يناسبها التدرج من خلال الرجيم (نظام غذائى يتسم بالتدّرج). وإن كان هذا يختلف قليلا عن شهوة الطعام الطارئة والتى تحتاج الى يقظة، قال أب "إن بطنًا أنْتُهِرَت من صاحبها ألا تأكل خبزًا، لا تطلب لحمًا". ويقول مار اسحق: "سلاح الآلام والفضائل هو تغيير العوائد والخاصيات، فالعوائد تطلب ما يقدم لها وهى رباطات النفس، وبالسهولة تقتنيها وبصعوبة تنحل منها".
إن الجسد مستعد دائمًا للتكيّف والتأقلم مع ما يقرره الإنسان، فإذا كانت إرادة الإنسان قوية استطاع أن يضبط الجسد والذى سيكلل معه في المجد أيضًا، إن المعدة كعضو في الجسم على سبيل المثال، مستعدة للانكماش والاتساع وذلك بحسب كمية الطعام التى يدفعها الإنسان إليها، فهى مع النساك تصغر شيئًا فشيئًا حتى تصل إلى ما يوازى معدة طفل صغير، عندما مرض الأب عبد المسيح الحبشى وذهب إلى الطبيب، أقر الأخير بأن معدة الأب عبد المسيح قد أصبحت مثل معدة طفل في الثالثة من عمره، وهكذا تعتاد على كمية ضئيلة من الطعام ليشعر بعدها بالشبع.
يقول القديس أولوجيوس لتلميذه: غدا بمشيئة الرب