خذوا فضيلة الصوم مثلاً.
بين الروح والحرفية. الصوم قبل كل شيء هو وسيلة لضبط النفس: تبدأ من جهة الطعام أولاً. وبها يتدرب الصائم علي ضبط النفس من جهة كل شيء. فيحيا حياة فاضلة ترضي الله.
وليس الصوم في روحه هو مجرد اخضاع للجسد فترة معينة. يفعل بعدها الإنسان ما يشاء! كأن تنتهي فترة انقطاعه عن الطعام. بخضوعه لشهوة التدخين أو الخمر. وكما قال الشاعر:
رمضان ولّي هاتها يا ساقي .. مشتاقة تسعي إلي مشتاق
فهذا الذي يشتاق إلي الخمر. ويفرح بانتهاء الصيام ليشبع شهوته في الخمر.. هل نال هذا الصائم ما يهدف إليه الصوم من ضبط للنفس؟! أم أخذ من الصوم حرفيته وليس روحه؟!
لذلك يصوم كثير من الناس. ولا يستفيدون من الصوم. لانهم سلكوا في صومهم بطريقة حرفية. بعيدة عن روحانية الصوم وهدفه!
***
كذلك مفهوم الصلاة:
حرفيا هي حديث إلي الله. أما روحياً فهي الصلة بين الإنسان والله.. ومن معني الصلة أتت عبارة الصلاة. فماذا إذن عن الذي يصلي. ولا يشعر بأية صلة بينه وبين الله؟ ألا ينطبق عليه قول الله عن صلوات بعض اليهود "هذا الشعب يعبدني بشفتيه. أما قلبه فمبتعد عني بعيداً". عن مثل هؤلاء. قال أحد الآباء "إن حوربت بهذه الحالة. فوبخ نفسك قائلاً: أنا ما وقفت أمام الله لكي اعدّ ألفاظاً"! وقد يكون ذلك في الصلاة بغير فهم ولا روح ولا مشاعر! وبدون خشوع أمام الله. وبدون حرارة ولا حب!! وقد يصلي مثل هذا الإنسان ويطيل الصلاة. دون أن تصعد صلاته إلي الله! إنه يصلي أو يظن أنه يصلي وصلاته ليست صلاة!
يظن أنه يعطي الله وقتاً. أو يؤدي لله فرضاً!! دون أن يعطي لله قلباً! بينما يريد الله القلب قبل كل شيء. مثل هذا الشخص يسلك حسب الحرف وليس حسب الروح!
***
نتطرق إلي العطاء. أو كما يسمي أحياناً بالصدقة.
العطاء في روحه هو المشاركة بالحب والقلب مع المحتاجين غير أن البعض قد يعطي من جيبه. وليس من قلبه! وقد يعطي عن اضطرار. أو عن افتخار. أو لمجرد أداء واجب. أو خجلاً ممن يطلبون منه العطاء.. وفي كل ذلك لا تشترك عاطفته في العطاء. يكتفي بالحرفية دون الروح. لذلك فإن المعطي بسرور يحبه الرب. ويحبه أيضاً الذين يتلقون منه العطاء. كذلك من روح العطاء أنك تدرك أن الله قد أعطاك ما تعطيه. وأعطاك الفرصة لكي تعطي. فتشكره علي ذلك.
***
عموماً نحن نريد أن ندخل في عمق الفضيلة. في روحياتها وليس في حرفيتها. والروحيات تبدأ من القلب. العفة مثلاً ليست هي الاحتراس الخارجي من الخطأ. إنما هي عفة القلب في كل شيء. فقد يوجد من يحفظون العفة بأجسادهم. أما أرواحهم من الداخل فخاطئة تشتهي الخطية. والاتضاع هو حالة الروح من الداخل. وليس الاتضاع مجرد مظهر خارجي وألفاظ لا تعبر عن حقيقة قائلها. وهكذا في سائر الفضائل: المطلوب هو الروح وليس الحرفية.