لعل الأوراق التي غطّت شجرة التين دون أن يكون معها ثمر، إشارة إلى الرياء، حيث يوحي المنظر الخارجي بالبهاء والعظمة بينما الداخل خاوٍ، وقد عالج السيد المسيح مثل ذلك في تعليمه حين بَكَّت الكتبة والفريسيين بسبب رياءهم، فقد اهتموا بتبييض القبور وتنقية خارج الكأس والصفحة، في حين أن الداخل مملوء نجاسة. ومن الملفت أيضًا أن السيد المسيح حين عاتبهم على التشديد على غسل الايدي باعتباره رياء طلب منهم أن يعطوا كل ما عندهم صدقة وحينئذ كل شيء سيتطهر لهم، فما معنى ذلك؟، معناه أن الاهتمام بالعمل الخفي أهم بكثير من الاهتمام بالمظهر.
وأُطلِقت كلمة "مرائي" في البداية علي الممثل المسرحي والذي كان "يتراءى" للجمهور باكيًا في حين لم يكن هو شخصيًا يعاني مما يسبّب البكاء، أو يظهر ضاحكًا في حين أن داخله مملوء همومًا، ومن ثَمّ اتسعت الكلمة واتسع مفهومها لتعني بشكل عام كل من يظهر بخلاف ما يبطن.
والناس من جهة الرياء أنواع: شخص بار في عيني نفسه، وآخر بار في أعين الآخرين، وثالث بار قدام الله، أما الأول فهو المعجب بذاته والراضي عنها يعبدها ويقدّم لها بخورًا كل صباح، يدلّلها ويقارن نفسه بالآخرين فيجد ذاته الأفضل دائمًا والمستحق أعلى الدرجات، هذا يهلك بكبريائه. وأما الثاني فهو الذي يسعى جاهدًا لكي يمتدحه الناس، فيحسن صورته قدامهم ويبذل في سبيل ذلك الكثير من الجهد والوقت، فيكذب ويخدعهم ويصدّق نفسه مع الوقت، وربما تسوّل المديح في بعض الأوقات حين يكف الناس عن تمجيده ... وأما البار قدام الله فهو الذي يبكّت نفسه، ويرفض المديح، ويعرف قدر نفسه، ويهمّه بالأولى رأي الله، بل بالأحرى يرى نفسه قدام الله عبدًا بطّالاً، وإذا وقف قدامه ألقى برأسه على صدره مثل العشّار، ولذلك فقد هلك الفريسي بسبب رضاه عن نفسه وتفضّله على الله، في حين خلص العشار حين حسب نفسه كلا شيء، وسلّم هذا العشار البار الكنيسة هذا الطقس في التوبة، أي طقس الانسحاق قدام الله وأنه الخاطئ الوحيد. وقد قيل عن زكريا واليصابات: «وَكَانَا كِلاَهُمَا بَارَّيْنِ أَمَامَ اللهِ، سَالِكَيْنِ فِي جَمِيعِ وَصَايَا الرَّبِّ وَأَحْكَامِهِ بِلاَ لَوْمٍ».
إن شجرة التين تذكّرنا بأولئك الذين يهتمون كثيرًا بمظهرهم الخارجي وينتظرون تعليق الناس ومديحهم، وقيل أن الاهتمام بالخارج يأتي على حساب الداخل، وكلما اهتم الإنسان بإصلاح الداخل وتنقيته كلما قلّ اهتمامه بالخارج، الأخطر من ذلك أن يتظاهر شخص بالاتضاع، لكي يجلب المديح لنفسه عن طريق ذلك، وهو يشبه في ذلك من ينصب فخًا للآخرين... فهو فقير وأعمى وعريان وبائس، ولكنه يظهر كمن هو متخلٍ عن الغنى والمجد والكرامة حبًا بالله!!.
فلتكن العبادة نفسها بلا رياء، لنا بقية غدا بمشيئة الرب