فلتكن العبادة نفسها بلا رياء، أي لا يظهر الشخص الورع والتقوى والتدين الشكلي الذي بكته السيد المسيح، كذلك العفه لا ترتبط بحشمة الملابس فقط، ولكنها سلوك داخلي، وفضيلة راسخة في الداخل...
ويوجد من يذم نفسه وينعتها بأسوأ الصفات، ولكنه في المقابل لا يحتمل إن وصفه البعض بأحدها، ويتضح بذلك أنه إنما كان يقول ذلك تباهيًا وليس اتضاعًا، حقا يقول القديس سيرابيون: “الاتضاع لا أن تلوم نفسك ملامة باطلة، ولكن الاتضاع أن تحتمل الملامة التي تأتيك من الآخرين”، وقيل: “مدح الآباء شخصًا بين يدي الأنبا أنطونيوس، فأراد أن يختبره إن كان يحتمل المذمة فلم يحتمل، فقال: ‘هذا الإنسان يشبه قرية مزينة من الخارج ولكن داخلها عظام أموات’.”
بل أن الناس قد يؤثرون الشرير الواضح على البار الكاذب، ويرون أن ذلك الشرير وذلك اللص عندما يتوب قد يسبق كثيرين، ولكن المرائي والمتصنَّع صعب عليه أن يتوب لأنه بسبب ريائه قد يجف من الداخل وتتقلص محبة الله ومخافته فيه. ومما تجدر به الملاحظة أن الانسان هو المخلوق الوحيد الذي بإمكانه التمثيل والتصنّع، فلا الطيور ولا الوحوش ولا الجماد، ربما "الحرباءة" هي الوحيدة التي تفعل ذلك ولكنه ليس بإرادتها لكي تنجو من الخطر وليس لكي تخدع الاخرين.
اليهود الذين نقرأ غدًا عنهم وكأنهم يطلبون نصيحة السيد المسيح بخصوص الجزية، كانوا في الواقع يتصيدون له خطأً: «فَعَلِمَ رِيَاءَهُمْ، وَقَالَ لَهُمْ:لِمَاذَا تُجَرِّبُونَنِي؟» (مرقس15:12)، وعندما سألوه في شأن المرأة التي تزوجت سبعة، في النهاية لمن تكون، كانوا كذلك يسخرون منه، وغيرها ... بعكس اللص اليمين الذي جدّف اولاً ثم تاب بعد ذلك....
وربما لا يلاحظ البعض أن السيد المسيح عندما بكّت البعض قائلاً: «يا مرائي أخرج أولاً الخشبة من عينك وحينئذ تبصر جيدًا....»، كان يشير إلى أن الشخص غافل عن خطاياه ويتظاهر بحب الآخرين والخوف عليهم، ولكن الأهم أن يخلص هو، إن عثرة الناس فيمن كانوا يظنون أنهم أبرار وقديسون لهي كبيرة جدًا، أكثر من عثرتهم في شخص يسيء إليهم، كما أن المحبة نفسها يجب أن تكون بلا رياء (رومية9:12). والرياء في هذه الحالة هو الإيحاء للآخر بأنك تحبه: «هكذا أنتم أيضًا من خارج تظهرون للناس أبرارًا ولكنكم من داخل مشحونون رياء وإثمًا» (متي28:23.(
وسوف نقرأ غدا في قراءات ثلاثاء البصخة عن أمثال السيد المسيح التي تعالج هذه القضية من بعض وجوهها؛ ففي مثل الابنين كان الأول مرائيًا لأنه أطاع اولاً ولكنه لم يذهب، بينما سلك الثاني على العكس منه، وفي مثل العرس وبينما رأى البعض في الثياب اللازمة للحضور رمزًا للمعمودية رأى آخرون أنه شكل هام يجب ألا يتخلى عنه الشخص مهما كان داخله، وفي حديث السيد عن الهيكل وأورشليم كان الهيكل أعظم تحفة معمارية في العالم في ذلك الوقت ولكنه كان من الداخل مغارة لصوص، وبينما كانت أورشليم مدينة الملك العظيم كان ملك الملوك داخلها يُحاكَم ليُقتَل، وستُعاقَب المدينة بالدمار.
ولكن هل يتخلّى الإنسان عن ظاهره المُمتَدح، لأنه ليس كذلك من الداخل؟؟ كلا؛ ولكن ليجتهد في إصلاح الداخل بينما لا يتخلى عن الورع الخارجي، بل يتخلى فقط عن خداع الآخرين بهذا المظهر، وذلك لئلا يتخلى إنسان عن مظهره الممدوح من الخارج ليبدأ من جديد، فيتعثّر وييأس وقد لا يفعل فيخسر الاثنين.
كذلك لا يفوتنا أن الله أحيانا يغطي ضعفاتنا قدام الناس ويسترنا لكي لا يعثر فينا أحد ولكي لا نفقد احترامهم، ولكن علينا ألا نستغل ذلك، حتى لا ندع الله يسمح بأن نفتضح، حيث استغلال ذلك (أي الاكتفاء بأوراق التين) من شأنه أن يعطل خلاصنا.