التَّعفُّف يشمل عفَّة الجسد، وعفَّة الحواس ( النظر والسمع واللمس )، وعفَّة اللسان، وعفَّة الفكر، وعفَّة القلب، وعفَّة القلم، وعفَّة اليد.
?? عفة اللسان: في عفَّة اللسان يبعد الشخص عن كل كلمة بطَّالة. فاللسان العفيف لا يلفظ كلمة شتيمة ولا كلمة تهكُّم. فالإنسان العفيف يحترم غيره، فلا يسئ إليه بكلمة جارحة، ولا بكلمة استهزاء أو إحتقار أو إزدراء، في أي حديث أو أي عتاب. وأتذكَّر إنني قلت ذات مرَّة في رثاء أحد أساتذتي الروحيين منذ حوالي ستين عاماً:
يا قوياً ليس في ذاته عنف ووديعاً ليس في طبعه ضعفُ
لك أسلوب نزيه طاهر ولسان أبيض الألفاظ عفُ
لم تنل بالذم مخلوقاً ولم تذكر السوء إذا ما حلَّ وصفُ
لهذا فإن الذي يستخدم ألفاظاً جارحة، أو ألفاظاً قاسية، وكأنها كرجم الطوب ... ليس هو بالإنسان العفيف اللسان.
فاللسان العفيف لا يشهر بغيره، ولا يكشف عورة إنسان في حديثه. لأن عفَّته تمنعه من ذلك. واللسان العفيف هو لسان مؤدَّب ومُهذَّب. يزن كل كلمة يلفظها. ولا يحتاج إلى مجهود لكي يتكلَّم كلاماً عفيفاً، لأنه تعوَّد ذلك وأصبح هكذا بطبعه.
واللسان العفيف لا يستخدم ألفاظاً معيبة من الناحية الأخلاقية: فلا يتلفَّظ بكلمات جنسية بذيئة، ولا يذكر قصصاً أو فكاهات جنسية، ولا يقبل سماعها إن قيلت من غيره. ولا يردد أغاني من نفس النوع، بل يخجل من النطق بها، حتى فيما بينه وبين نفسه في مسكنه الخاص. إنه لا يتدنَّى إلى هذا الوضع. يمنعه أدبه من إستخدام لغة لا تتفق وهذا الأدب الذي تعوَّده.
?? واللسان العفيف قد تعوَّد أيضاً عفَّة التَّخاطب، وتعوَّد أيضاً أدب الحوار. فهو لا يُقاطع غيره أثناء الحديث معه. ولا يوقفه عن الكلام لكي يتكلَّم هو، ولا يعلو صوته في الحوار. ولا يحاول أن يقلل من شأن غيره في حواره معه، لكي يثبت صحة رأيه هو. ولا يهين غيره أثناء المناقشة. فكل هذه أمور لا يسمح بها أدبه.
واللسان العفيف ـ في حواره ـ يكون موضوعياً. فلا يتعرَّض إلى الجوانب الشخصية فيمَن يتحاور معه. ولا يمكن أن يصف مُحدِّثه بالجهل أو عدم الفهم. ولا يكشفه في هذه النواحي. بل يركز على موضوع النقاش.
?? عفَّة القلم: غدا لنا بقية بمشيئة الرب