شواهد من الكتاب المقدس على حقيقة سر الاعتراف
أولاً.. من العهد القديم.
وضع الله في الكنيسة منذ العهد القديم نظام الكهنوت كوكالة (توكيل) عن الله.. وأعطى الكهنة سلطان التكفير ومغفرة الخطايا للتائبين.
· فنقرأ في الشريعة " وَقَرِّبْ إِلَيْكَ هَارُونَ أَخَاكَ وَبَنِيهِ مَعَهُ مِنْ بَيْنِ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِيَكْهَنَ لِي. هَارُونَ نَادَابَ وَأَبِيهُوَ أَلِعَازَارَ وَإِيثَامَارَ بَنِي هَارُونَ " (خر28: 1).
· ونقرأ عن موسى.. ككاهن.. قوله للشعب " أَنْتُمْ قَدْ أَخْطَأْتُمْ خَطِيَّةً عَظِيمَةً، فَأَصْعَدُ الآنَ إِلَى الرَّبِّ لَعَلِّي أُكَفِّرُ خَطِيَّتَكُمْ " (خر 32: 30).
وتعبير " لعلى أكفر خطيتكم " لا يعني أن موسى يقدم نفسه ذبيحة كفارة عن خطايا الشعب لأنه عبد خاطئ مثل غيره، ولكنه ككاهن يشفع في الشعب للتكفير عن خطاياهم.. وهذا هو دور الكهنوت دائماً.. وأيضاً في (لا 4: 20)، (لا 4: 26)، (لا 4: 31)، (لا 4: 35) يتكرر نفس المعنى.. " يكفر عنهم الكاهن فيصفح عنهم ".
ونلاحظ هنا أنه قبل أن يقوم الكاهن بدوره.. لابد من إقرار الخاطئ بخطيته.. إما بتوبيخ الكاهن له " ثُمَّ أُعْلِمَ بِخَطِيَّتِهِ الَّتِي أَخْطَأَ بِهَا، يَأْتِي بِقُرْبَانِهِ عَنْزًا مِنَ الْمَعْزِ أُنْثَى صَحِيحَةً عَنْ خَطِيَّتِهِ الَّتِي أَخْطَأَ. " (لا 4: 28).. أو باعترافه وإقراره بذنبه " فَإِنْ كَانَ يُذْنِبُ فِي شَيْءٍ مِنْ هذِهِ، يُقِرُّ بِمَا قَدْ أَخْطَأَ بِهِ. " (لا 5: 5).
وحين قدم الشعب وقت نحميا توبة صادقة عن الارتباط بالوثنيات.. كمُلت توبتهم باعترافهم العلني وتركهم للخطية.. " وَانْفَصَلَ نَسْلُ إِسْرَائِيلَ مِنْ جَمِيعِ بَنِي الْغُرَبَاءِ، وَوَقَفُوا وَاعْتَرَفُوا بِخَطَايَاهُمْ وَذُنُوبِ آبَائِهِمْ " (نح 9: 2).
وكما نسب الوحي الإلهي فعل التكفير للكاهن.. نسب فعل الغفران أيضاً للكاهن.. فنقرأ في سفر صموئيل الأول قول شاول لأبيه الروحي " وَالآنَ فَاغْفِرْ خَطِيَّتِي وَارْجعْ مَعِي فَأَسْجُدَ لِلرَّبّ " (1صم 15: 25)
ومرة أخرى نتذكر أن الكهنة أنفسهم لابد لهم من الاعتراف بخطاياهم.. لأنهم ليسوا كاملين.. ففي شريعة يوم الكفارة نقرأ.. " وَيُقَرِّبُ هَارُونُ ثَوْرَ الْخَطِيَّةِ الَّذِي لَهُ، وَيُكَفِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ بَيْتِهِ " (لا 16: 6).
وارتباط الإقرار (الاعتراف) بالكفارة بالدم.. صريح وواضح في..
" لأَنَّ نَفْسَ الْجَسَدِ هِيَ فِي الدَّمِ، فَأَنَا أَعْطَيْتُكُمْ إِيَّاهُ عَلَى الْمَذْبَحِ لِلتَّكْفِيرِ عَنْ نُفُوسِكُمْ، لأَنَّ الدَّمَ يُكَفِّرُ عَنِ النَّفْسِ " (لا 17: 11)، هذا أساس سر الاعتراف وحل الغفران في العهد القديم.. وإشارة إلى الإيمان بدم المسيح الفادى وعمله الخلاصى لكل المؤمنين التائبين المعترفين بخطاياهم.
وما حدث مع داود النبي يؤكد دور الكاهن " كأب اعتراف " بقول ناثان النبي والكاهن " الرَّبُّ أَيْضًا قَدْ نَقَلَ عَنْكَ خَطِيَّتَكَ. لاَ تَمُوتُ " (2 صم 12: 13). ومرة أخرى حين أخطأ داود.. أمام جاد النبي.. صرخ لله تائباً " وَضَرَبَ دَاوُدَ قَلْبُهُ بَعْدَمَا عَدَّ الشَّعْبَ. فَقَالَ دَاوُدُ لِلرَّبِّ: «لَقَدْ أَخْطَأْتُ جِدًّا فِي مَا فَعَلْتُ، وَالآنَ يَا رَبُّ أَزِلْ إِثْمَ عَبْدِكَ لأَنِّي انْحَمَقْتُ جِدًّا وَلَمَّا قَامَ دَاوُدُ صَبَاحًا، كَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَى جَادٍ النَّبِيِّ رَائِي دَاوُدَ قَائِلاً: ذْهَبْ وَقُلْ لِدَاوُدَ: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ " (2صم24: 10- 12).
أرسل الله جاد النبي بالتأديب قبل الغفران.. وهذه قيمة التلمذة على أب الاعتراف..
" فَكَلَّمَ دَاوُدُ الرَّبَّ عِنْدَمَا رَأَى الْمَلاَكَ الضَّارِبَ الشَّعْبَ وَقَالَ: «هَا أَنَا أَخْطَأْتُ، وَأَنَا أَذْنَبْتُ، وَأَمَّا هؤُلاَءِ الْخِرَافُ فَمَاذَا فَعَلُوا؟ فَلْتَكُنْ يَدُكَ عَلَيَّ وَعَلَى بَيْتِ أَبِي. فَجَاءَ جَادُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ إِلَى دَاوُدَ وَقَالَ لَهُ: «اصْعَدْ وَأَقِمْ لِلرَّبِّ مَذْبَحًا فِي بَيْدَرِ أَرُونَةَ الْيَبُوسِيِّ " (2صم 24: 17- 18).
مرة أخرى نسمع نحميا يعترف بخطايا الشعب جهراً في صلاته " لِتَكُنْ أُذْنُكَ مُصْغِيَةً وَعَيْنَاكَ مَفْتُوحَتَيْنِ لِتَسْمَعَ صَلاَةَ عَبْدِكَ الَّذِي يُصَلِّي إِلَيْكَ الآنَ نَهَارًا وَلَيْلاً لأَجْلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَبِيدِكَ، وَيَعْتَرِفُ بِخَطَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّتِي أَخْطَأْنَا بِهَا إِلَيْكَ. فَإِنِّي أَنَا وَبَيْتُ أَبِي قَدْ أَخْطَأْنَا " (نح 1: 6).
وأيضاً عزرا في توبته " فَلَمَّا صَلَّى عَزْرَا وَاعْتَرَفَ وَهُوَ بَاكٍ وَسَاقِطٌ أَمَامَ بَيْتِ اللهِ، اجْتَمَعَ إِلَيْهِ مِنْ إِسْرَائِيلَ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالأَوْلاَدِ، لأَنَّ الشَّعْبَ بَكَى بُكَاءً عَظِيمًا " (عز 10: 1).
وأخيراً نتذكر ونتأمل قول الوحي الإلهي..
+ " مَنْ يَكْتُمُ خَطَايَاهُ لاَ يَنْجَحُ، وَمَنْ يُقِرُّ بِهَا وَيَتْرُكُهَا يُرْحَمُ " (أم 28: 13).
+ " لاَ تَسْتَحِي أَنْ تَعْتَرِفَ بِخَطَايَاكَ، وَلاَ تُغَالِبْ مَجْرَى النَّهْرِ " (سيراخ 4: 31).
ثانياً.. من العهد الجديد. لنا بقية غدا بمشيئة الرب