قدم الإنجيلي الكلمة بكونه "الخالق" إذ به كان كل شيء، وبغيره لم يكن شيء مما كان. لم يقدم هذا إلا بعد الحديث عن العلاقة الأزلية بين الآب والكلمة. فالآب والابن (أو الكلمة) مع الروح القدس فيه التقاء ذاتي داخلي، كلي الحب والحياة. هذه الطبيعة الإلهية التي تفيض حبًا ليست في حاجة إلى الخليقة السماوية أو الأرضية لتحقق الحب عمليًا. الحب عامل بين الأقانيم الإلهية أزليًا، وقد جاءت الخلقة من فيض الحب الإلهي، لا كضرورة لتحقيق حب الله بل ثمرة هذا الحب. وما نقوله عن الخلقة نكرره عن الخلاص بكونه الخلقة الجديدة.
الكلمة الأزلي هو الخالق والمخلص، يحقق مشيئة الآب، التي هي واحدة مع مشيئة الابن.
بقوله "كل شيء به كان"؛ فرز نفسه من كل الخلائق السماوية والبشرية والمادية، فهو خالق كل أحد وكل شيء أينما وجد.
يقصد ب "به كان" أنه به قد صار إلى الوجود، أو خلق كل شيء. فعل "كان" هنا في اليونانية مختلف عما ورد بخصوص الكلمة، هنا يعني الخلق، وهناك الكينونة الذاتية.
وجاء الحرف "به" يحمل معنى بواسطته ومن خلاله وفيه، فقد خلق وبقي مدبرًا لخليقته معتنيًا بها وحافظًا لها. هذا ما عبر عنه الرسول بولس: "فإن فيه خلق الكل"... به وله قد خلق... وفيه يقوم الكل" (كو1:16-17). "حامل كل الأشياء بكلمة قدرته" (عب 1: 3). "لأننا به نحيا ونتحرك ونوجد" (أع 17: 28).
يري القديس يوحنا الذهبي الفم أن الإنجيلي يركز على وحدة العمل الخاص بالخلقة بين الكلمة والآب، لإظهار لاهوت الكلمة ومساواته للآب. بالقول: "وبغيره لم يكن شيء مما كان" يؤكد أن دور الكلمة في الخلق أساسي، بدونه استحالة تحقيق الخلقة أو استمرارها.
عندما تحدث موسى النبي عن بدء الخليقة: "في البدء خلق الله السماوات والأرض" خشي لئلا يظن أحد أن الأرض أزلية فأكد أن لها بداية، وأنها من إبداع الخالق. فلو أن الكلمة مخلوق لالتزم الإنجيلي بتأكيد خلقته، لا بالحديث عنه كخالق للكل.
* من هو هذا الذي يسقط في هذا الخطأ، إذ يعلن عمن يخلق ويصنع كل الأشياء أنه مخلوق؟ إني أسأل: هل خلق الرب نفسه...؟ من يفكر هذا؟ إن الله خلق كل شيء في حكمة (مز 24:104). إن كان الأمر هكذا، فكيف نفترض أن الحكمة قد خُلقت في نفسها؟[105]
غدا لنا بقية بمشيئة الرب