تعالت في الأيام الأخيرة نغمة جديدة على ادبيات النسك في الكنيسة الأرثوذكسية فتبدو وكأنها ابتدعت فكر غريب عن الكتاب المقدس لمفهوم الصوم النسكي الذي يشمل العلاقات الزوجية و ذلك بحجة ان الزواج مكرم والمضجع طاهر.
و بداية من قال أن الصوم عن شئ معناه أنه غير طاهر؟! فلو سلمنا بهذه الفكرة يكون الصوم عن أكل اللحوم يعني إنها غير طاهرة، وهذه بدعة رفضتها الكنيسة في فجر تاريخها هي “بدعة ماني“ ، فالمأكولات الحيوانية طاهرة ولا شر في أكلها وإلا كان يجب علينا الامتناع عنها نهائيا كل حياتنا. فلو اعتبر أحد أن الصوم عن العلاقات الزوجية هو احتقار لها فيكون بنفس المقياس مفهوم الامتناع عن المأكولات بصفة عامة في الصوم الانقطاعي يعني انها غير طاهرة، وهذا لا يقبله عاقل.
الصوم هو تقدمة من قلب يشعر بالرغبة في التذلل أمام الله كما قال القديس بولس “اقمع جسدي واستعبده حتى بعد ما كرزت للآخرين لا اصير أنا نفسي مرفوضا” ( 1كو 27 : 9) ، كما أنه الاحساس بالامتنان والعرفان لمحبة الله الجارفة نحونا فلا نملك ما نقدمه له إلا باقة من الورد العطر يسميها القديس بولس الرسول ذبيحة اجسادنا “فاطلب إليكم ايها الاخوة برأفة الله ان تقدموا اجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله” ( رو ١٢ (
باختصار شديد الصوم هو ذبيحة حب مقدمة لأبينا السماوي كعلامة استعداد لتقديس كل حياتنا لله، وهذا لم يعلمه لنا أباء الكنيسة من تلقاء أنفسهم انما استلاما من الكتاب المقدس “ لا يسلب أحدكم الآخر إلا ان يكون على موافقة إلى حين لكي تتفرغوا للصوم والصلاة ثم تجتمعوا ايضا معا لكي لا يجربكم الشيطان لسبب عدم نزاهتكم “ ( ١ كو ٧ :٥ ).
وكلما كان الانسان اصدق حبا واكثر تقديرا لشخص الله كلما كان اكثر حرصا لتكون تقدمته مرصعة بألوان متنوعة من التخلي عما يحل له من جسديات، ويظل الشعور بأنه لم يقدم بعد ما يليق بعريس النفس الذي سبق وقدم دمه الزكي الكريم مهرا لنفوسنا.
نحن نعرف أن اجسادنا لها نداءات الطبيعة الغريزية ولكنك تعرف عزيزي القارئ أن الهدية كلما كانت من قلب أصدق واخلص كلما برهن صاحبها على حبه قولا وعملا، كلما كانت اكثر دالة واعمق تأثيراً على قلب الله.
عزيزي إن الله الذي لا ينسى كأس الماء البارد سيذكر لك كل تقدمة حب بذلتها من اعوازك. وتذكر أن الملك لا يبيت مديونا بحسب وعد الرب “ الحق اقول لكم ان ليس احد ترك بيتاً أو والدين او إخوة او ( إمرأة ) او اولادا من أجل ملكوت الله إلا ويأخذ في هذا الزمان اضعافاً كثيرة وفي الدهر الاتى الحياة الأبدية ” (لو29:18) .