كتاب أبانا الذي في السموات | الصلاة الربانية لقداسة البابا شنودة الثالث
ما أجمل أن يصلي الإنسان. إنه يشعر في صلاته إنه قد إنتقل من مستوي الأرضيين إلي مستوي السمائيين، لكي يشارك الملائكة في طقسهم.. إن الصلاة شرف عظيم لا نستحقه. فنحن بها ندخل في عشرة مع الله، ونذوق وننظر ما أطيب الرب. وفيها تكون أذنا الرب ملتصقة بأفواهنا.. ما هي الصلاة أذن..؟
1 - الصلاة في معناها البسيط هي حديث الله؟
ولكن هل هي حديث اللسان، أم هي حديث القلب؟ لاشك أنها حديث القلب. ولذلك فإن السيد المسيح وبخ الذين يصلون بشفاههم فقط، وذكرهم بقول الكتاب "هذا الشعب يكرمني بشفتيه. أما قلبه فمبتعد عني بعيدًا" (مر 6:7). إذن الصلاة ليست مجرد كلام، ولا مجرد محفوظات أو تلاوات.
2- أنما الصلاة -من الناحية الروحية- اشتياق إلي الله.
وفي هذا يقول داود النبي "كما يشتاق الإيل إلي جداول المياه، هكذا تشتاق نفسي إليك يا الله. عطشت نفسي إلي الله، إلي الإله الحي. متي أجئ وأتراءى قدام الله" (مز 42: 1،2). ويقول أيضًا " يا الله أنت إلهي، إليك أبكر. عطشت نفسي إليك" (مز 63: 1). كلما تشتاق نفسك إلي الله، وتكلمه عن شوق، تشعر أنك تكلمه من قلبك، وتستفيد من الصلاة.
3 - لآن الصلاة ليست مجرد اشتياق، إنما اشتياق صادر عن حب.
فالصلاة تبدأ اولآ في القلب حبًا، ثم ترتفع إلي الذهن افكارا، ثم ينطق بها اللسان ألفاظا. هي أصلا حب. يقول فيه المرتل "محبوب هو إسمك يا رب، فهو طول النهار تلاوتي" (مز 119). من محبته لله، إسم الله لاصق بعقله، لاصق بقلبه، هو طول النهار تلاوته. بل يقول له أيضا " باسمك أرفع يدي، فتشبع نفسي كما شحم ودسم" (مز 4:63).
4 - فالصلاة هي إذن شبع روحي بالله:
كما يتغذى الجسد بالطعام، تتغذى الروح بالوجود في حضرة الله وبالحديث مع الله، وبالصلة القلبية مع الله. إن كنت تصلي ولا تشعر بشبع، فأنت في الواقع لا تصلي. كما تسري نقطة الماء في النهر إلي أن تصب في البحر الكبير وتندمج فيه، هكذا قلب الإنسان يسري في الصلاة إلي أن يتحد بقلب الله،و أول وسيلة لذلك هي الصلاة. لذلك قيل:
5 - ان الصلاة هي جسر ذهبي، يصل بين المخلوق والخالق.
أنها تذكرنا بسلم يعقوب الواصل بين السماء والأرض، يصعد عليه الملائكة، يوصلون الصلوات، وينزلون باستجابة الله.
6 - قيل أن الصلاة هي عمل الملائكة، او هي أنشودة الملائكة.
تصوروا السارافيم وقوفًا أمام العرش الإلهي يقولون "قدوس قدوس قدوس" (أش 6) وترتوي بهذا نفوسهم. هذه هي الصلاة. صدقوني إن كثيرين يقولون إنهم يتحدثون إلي الله، بينما في الواقع هم لا يصلون.. لأنه حديث لا مشاعر فيه ولا عواطف، ولا صلة.