7 - لذلك الصلاة هي صلة مع الله:
وهكذا تشعر بالوجود في الحضرة الإلهية. تشعر بوجود الله، وبوجودك مع الله، وبالصلة بينكما. البعض يظنون الصلاة مجرد ألفاظ ينتقونها وينمقونها، بينما لا توجد بينهم وبين الله صلة. أريد أن اضرب لكم مثلا. لنفرض أن أمامنا لمبات كهربائية قوية جدًا، ونجفات جميلة، وكشافات، ومع ذلك هي ليست متصلة بالتيار الكهربائي فما قيمتها إذن؟ وما فائدتها للإنارة؟! لاشيء.. كذلك في صلاتك لابد أن تشعر بهذا التيار يجري في عروقك..
8 - تشعر بلذة في الوجود مع الله. تري الصلاة متعة روحية.
وهكذا إن بدأت الصلاة، لا توجد قدرة علي إنهائها. كلما تريد أن تختم صلاتك، لا تستطيع. بل تقول له "دعني أبقي معك فترة أخري يا رب. لا أريد أن أفارقك. لا اريد أن اقطع حديثي معك" وتتشبه بعذراء النشيد التي قالت "امسكته ولم أرخه" (نش 4:3).
9 - هذه الصلاة هي تنقية للقلب..
مع الصلة مع الله يتطهر القلب، ويستحي الذهن أن يتقبل أية فكرة خاطئة أو يتعامل معها. يقول لنفسه "كيف أفكر في هذا الأمر، وأنا الذي كان كل فكري مع الله؟! "وهكذا تراه يصد كل فكر خاطئ يأتي إليه.. بل أن الصلاة تجعله يزهد هذا العالم وكل ما فيه. كما قال الشيخ الروحاني "إن محبة الله غربتني عن البشر والبشريات" أي جعلتني غريبا عنها، لأني صرت من وطن آخر سمائي. سئل القديس يوحنا الأسيوطي مرة "ما هي الصلاة الطاهرة؟!" فقال " هي الموت عن العالم " أي أن الإنسان الذي ينشغل قلبه مع الله بالتمام في الصلاة، يكون العالم ميتًا بالنسبة إليه. لايحيا فيه. هو يصلي والعالم لا وجود له في زمنه. لا يحس بهذه الدنيا وما فيها..
10 - الصلاة شرف بالنسبة إلي الإنسان، وتواضع بالنسبة إلي الله:
فمن نحن التراب والرماد، حتى نتحدث إلي الله ملك الملوك ورب الأرباب؟! حقًا إن هذا شرف عظيم بالنسبة إلينا، لا نستحقه. وهو تواضع من الله إذ يتحدث إلينا. بينما قد نجد صعوبة في التحدث إلي بعض عبيده من البشر!!
11- الصلاة هي اخذ وليست عطاء..
إحذر من أن تفكر في وقت من الأوقات، أنك حينما تصلي، إنما تعطي الله وقتًا، وتعطيه مشاعر! ولذلك تعتذر عن الصلاة أحيانًا وتقول "ليس لدي وقت..!" كلا، بل أنت في الصلاة تأخذ من الله الكثير، تأخذ بركة، وعشرة طيبة، ومتعة روحية، وهبات لا تحصي.. وهكذا نقول لله في القداس "لست أنت محتاجًا إلي عبوديتي، بل أنا المحتاج إلي ربوبيتك".. أنا المحتاج أن أخذ منك حينما أصلي.. يريحني ويسعدني مجرد الشعور بأنني في حضرتك.. الشعور بالأمان في حضرة الله القوي والمتحنن والرحيم.. في حضرة الآب الذي يحب أولاده، ويمنحهم من قلبه ومن عطفه..
12 - الصلاة هي أغنية نقدمها إلي الله من قلوب سعيدة به.
داود النبي حينما كان يغني مزاميره، لم يكن يصلي بالمزمار فقط.. بل أحيانًا بالعود، وبالقيثارة، والعشرة الأوتار.. وأحيانًا معه جوقة عجيبة من المغنين والموسيقيين، يستخدمون هذه الآلات الموسيقية، وأيضا البوق والصنج والصفوف والدفوف وباقي الآت العزف. الكل معًا يغنون للرب أغنية جديدة، في فرح بالرب.. كما حدث مع مريم النبية أخت موسى وهرون، إذ أخذت الدف في يديها، وخرجت وراءها النساء بدفوف ورقص، وهي تقول "رنموا للرب، فإنه قد تعظم.." (خر 15: 20،21). حقًا ما أجمل أن تكون الصلاة أغنية. يقول الرسول:
" بمزامير وتسابيح وأغاني روحية، مترنمين ومرتلين في قلوبكم للرب" (أف 5: 19)..
13 - إذن فالصلاة هي وقت فرح بالرب:
وهكذا نجد غالبية صلواتنا ملحنة ومنغمة ولها موسيقاها، تغني بها للرب اغنية جديدة.
وبالمثل صلاة القداس الإلهي، هي أيضا أغنية روحية مرتلة. وكذلك صلوات الإبصلمودية وكل التسابيح. حتى قراءة المزمور والإنجيل أثناء القداس الإلهي هو أغنية نقدمها إلي الله. إنها قلوب فرحة بالرب، تقف أمامه وتغني..
لا نضرب علي أوتار عود، بقدر ما نضرب علي أوتار قلوبنا.
فالألحان عندنا هي صلاة، والصلاة هي لحن، هي أغنية. كلما نوجد في حضرة الله، تمتلئ قلوبنا فرحًا بالرب، ونغني له في كل المناسبات بكل عواطفنا.. حتى في مناسبات الحزن، نغني أيضًا في حضرة الرب بأسلوب الحزن، إنما هي عواطف مقدمة لله..
قديمًا كان كل مزمور له لحن، مثل المزامير الأخيرة التي تكون الهوسات الثاني والثالث والرابع. هذا هو العنصر العاطفي في الصلاة.